صلاح جوامير
انقضى مؤتمو المقابر الجماعية الثاث بأربيل، ويا ليته لم ينعقد، فقد أصبح مؤتمر من المؤتمرات الكمالية الاخرى التي تسوح على الساحة السياسية العراقية، وتأخذ وقتا وجهدا من الذين حضّروا له، أما أهالي المعنيين بالامر (أهالي) الضحايا، فاصابتهم الحيرة من كيفية متابعة هذا المؤتمر وأعماله فلم تكن هناك تغطية مناسبة من المحطات التلفزيونية والفضائيات التي ملأت الاثير لتنقل لنا أخبار المغنيين والممثلين وكل أخبار الفن، وأخبار كل (بيت بيت، وزنقة زنقة) ومعمرها العقيد القذافي، ونسوا سكان تلك المقابر ومؤتمره الموعود في أربيل..غدونا نحن الفيلية: بعضنا لفّ همه معه حين وارى تراب تلك المقابر الجماعية جسده وبفعلة شيطان مارد، وآخرين منا غدونا في مقابر جديدة حالية، نعم مقابر الضمير وجماعية هي أيضا!! وبفعل حليف عنا شارد... نعم غدونا مدفونين ومأساتنا فقط في بعض الضمائر ننتظر صحوتها يوما ما!! مقابر ضمير لم نكن نحلم يوما بان صدور حامليها تحمل لنا كل هذا الجفاء ؟!! مقابر ضمير لرفاق لنا كنا نعدهم عونا لنا في الملمات، وإذا غدونا مجرد تمتمات وحركات على شفاههم تصدر أصوات هامسة لا يتعدى مداها ظل شخوصها!! فكيف بنا نتوقع أية إنصاف من رفاق درب لنا بعد أن بلطوا هم بقية دربهم بكراسي وسلطة ومال وجاه، أما دربنا نحن فلا زال في ذاكرة الاحلام!!ولكن يا ترى ماهو الغريب في هذا التناسي والاهمال بحق الضحايا وذكراهم؟ والجواب هو ليس هناك من شيء غريب!!.. فالغبار أصبح ينجلي عن المشهد السياسي والمشهد العام في العراق.. يوما بعد يوم نشاهد ونسمع عن تراجع في الوعود والعهود بالاضافة الى تراجع أخواتها من الخدمات اليومية من ماء وكهرباء بحق مظلومي العراق من كل الطوائف، وليحل محل كل ذلك تسابق في الاتجاه المعاكس لارجاع العجلة الى الوراء وإرجاع من كنا نظن إن لا رجعة لهم!!! لا بل والتسابق بتسهيل أمور رجعتهم وتخصيص الرواتب التقاعدية لآخرين منهم.. ولنشاهد وعلى حين غرة وعلى شاشات التلفاز ما يغيظ أكثر وأكثر فقبل أيام وعودة الى المحاكمات الجنائية العليا بحق أزلام النظام السابق، ليرتفع صوت القضاة وليبرأ الكثير من رموزه من جرائم قد أرتكبوها أو كان لهم الضلوع أو المشاركة أو التخطيط لها وإذا بالمفاجأة تلو المفاجأة ويبرأ فلان وفلان ومنهم طارق عزيز مثلاً، ووزير التجارة في زمن صدام، وآخرون.. كل ذلك وسط دهشة وخيبة أمل كبيرتين..يا ترى كم وكم من الصفعات نتلقى مِن مَن حملوا كاهل العدالة حسب إدعائهم، فذاك المؤتمر مّر علينا بصمت رهيب، وحتى مِن مَن واعدونا بان يحملوا الهمّ الفيلي عاليا سواء في المؤتمر الموسوم أو خارجه لم نلق منهم ذلك التحرك الواسع أو المشهود ولم تبذل الجهود الفعلية لايصال مثلاً صدى المؤتمر أو نقل حتى جزءً من وقائعه على الفضائيات، ولم يطرحوا الهّم الفيلي ولم نسمع بصدى أصواتهم أو ما خرجوا به مما يخص تكريم الضحايا، وأقصد ممن أقصد مكتب رعاية شؤون الفيلية في مكتب رئاسة الجمهورية، وحكومة إقليم كوردستان ووزارة حقوق الانسان فيها وفي المركز ووزارة الهجرة والمهجرين ووو... كنا نتوقع القليل من كل هؤلاء ولكنهم حتى هذا القليل لم يوفوه؟؟ ترى لماذا؟ بل ونجزم ان بعضهم أخذ يشتت ما تبقي من تجمعات وجدانية فييلية أو جهود بذلها بعض الخلّص من الفيلية كإحياء يوم الشهيد الفيلي في اوروبا كمثل الذي عقد في السويد والدانمارك وو.. ومحاولة وضع عصي في عجلاتهم!! ونعت جهودهم الرائعة تلك بمختلف النعوت والحجج المريضة؟؟ وصارت مقولة بان الفيلية غير موحدين وكأن الباقين من أطياف وجهات الشعب العراقي ما هم إلا حزمة فردية مشدودة شدة واحدة تتكسر عليها مؤامرات الآخرين بحقهم!! ونقول لهم اننا الفيلية بماذا نختلف عن كل هؤلاء؟؟ نعم نختلف باننا ظلمنا أضعاف الآخرين، وما زلنا نتحمل تبعات هذا الظلم، وهو لم يخفف عنا، بل وزاد كاهله علينا عندما يصر الآخرون على تهميشنا عمدا وحياكة لمؤمرات ودسائس ضدنا تحت مختلف المسميات، فذاك يتهمنا بشق الصف الكوردي، وذاك يتهمنا بعدم الولاء للقضية الكوردستانية!! وآخر يجزم بان تحركاتنا لا تخدم العملية السياسية، وقائل يدعّي باننا نطالب بالكثير وهلم جرا..يا إخواننا في القومية، ويا إخواننا في المذهب، ويا إخواننا في الدين، ويا رفاقنا في النضال الطويل، ويا إخواننا في الوطن ويا أحبتنا في الجيرة في كل أنحاء العراق، نحن لم نتعد يوم خط المطالبة بما هو لنا وبما يمليه الشرع والقانون والمواطنة والتاريخ والجغرافية أيضاً في حقنا وحقوقنا وبحق الوطن أيضا، ونحن نقولها بفخر لم نخذل الوطن يوما ما.. فهل سمعتم مثلاً نحن إرتكبنا إرهاباً بحق آخرين، أو وضعنا النواسف في الاسواق ودور العبادة أو في المواكب والمناسبات الدينية منها أو السياسية، ولم نضع في أروقة البرلمان وتحت كراسيه تلك المتفجرات!! فنحن لسنا بالجبناء .. وهل إدعينا ما ليس لنا؟ وهل تجاوزنا على أراضي أو بيوت الآخرين؟؟ وهل؟؟.. وهل؟؟..نعم نحن لم نخذل الوطن يوما، ولكن لماذا يخذلنا «حماة» الوطن؟؟وقبل أسابيع قليلة في أروقة البرلمان أفشلوا لنا حلماً فيلياً وعن سبق إصرار حين غلس النواب الى خارج البرلمان واحداً تلو الآخر بقصد إفشال طرح ومناقشة آعتبار ما حلّ بالكرد الفيلية كان بمثابة إبادة جماعية، واليوم نسمع بان عضو القائمة الكردستانية الدكتور محمود عثمان يقول بانهم جمعوا مائة توقيع من أجل حل قضية نواب الرئيس العراقي وحصره بنائب واحد وبالتحديد إمراة من المكون التركماني!! جميل كل ذلك الانصاف لإخوتنا التركمان، ولكن أليس بالمقدور أيضا الدفع باتجاه مماثل وجمع عدد مماثل من التواقيع لاجل القضية الفيلية والاصرار قليلاً خلفها، فقبل تلك الجلسة المشؤومة أدعت إحدى الناشطات ونحن هنا ليس في نيتنا ان نبخس حقها أو جهدها فهي على الرأس والعين إدعت إن بامكانها جمع أكثر من مائة توقيع وتحشد مناصرين ومؤيدين حين نقاش قضيتنا؟! وإذا بنا يومها بالكاد يبقى في القاعة عددا خجولا من النواب، طيب الحساب يقول ان مناصرينا من القومية والطائفة والمذهب لا يتعدون هذا الكم؟ هل هذا معقول؟! طيب لو كان جماعتنا مثلا يوما ما في المعارضة لقلة أصواتهم على فرض!! حينها هل سنقرأ على أحلامنا الفاتحة؟!!وفي كثير من الاحيان نشاهد سياسيينا ومن على شاشات الفضائيات يتشدقون بحكومة شراكة، تمثل كل الطيف العراقي!! بالله عليكم أين موقعنا نحن الفيلية من هذه الشراكة التي يتحدثون عنها؟ يقال إنهم أعطوا لنا وزارة فخرية بعد أن تعالت بعض الاصوات، وحتى هذه الوزارة لم نعد نسمع بها أو بأي من فعالية تخصها!! ولا ندري ما هي مهام وزيرنا الموسوم؟الكثير منا أبعده صدام حسين عن أرض العراق عنوة وبغير وجه حق، والآن نحن أيضا ما زلنا مبعدون بالمنافي وحتى أملاكنا لا نستطيع ان نستظل بظلها أو نبكي على أطلالها!! والحكومة منشغلة بمعاركها الجانبية وتركت ضحايا النظام السابق من الفيلية وغيرهم من المظلومين العراقيين يتحرجون من طرق أبواب المسؤولين مرة أخرى، أبواب غدت مغلقة إغلاقا محكماً بوجهنا وبوجه أحلامنا في أن نعود يوما أو نلامس يوما بعضا من خزين ذاكرة تركناه خلفنا هناك في العراق!!نعم ما زلنا في مقابر الضمير .. نعم صدقوني وجماعية هي أيضا!! ويبقى ان نضيف ونعلنها بقوة وبكل إحترام وتجليل لموقف البعض من النواب وعلى رأسهم الشيخ جلال الدين الصغير حين دوى صوته عاليا ونابعا من قلب شجاع وضمير عايش تاريخنا ومعاناتنا في خطبته يوم الجمعة في مسجد براثا، حفظه الله وأيده.
https://telegram.me/buratha