جاسم الصافي
التنمية السياسية هي مدخل لكل الإصلاحات أن كانت اقتصادية ام اجتماعية ، وهي تفريج لكل الأزمات ، ولكنها تحتاج الى مناخ من الديمقراطي ووعي جماعي قادر على أن يستقطب المفاهيم الحديثة لتندمج مع الثقافة الخاصة داخل رحم الأمة ، ولا يمكن أن تنجح أي تنمية مع التبعية والتقليد والطبقية والفساد الإداري لان التنمية السياسية تهدف الى التغير الدائم ،أما تلك العوامل فهي تفرض على الجميع التمسك بالثابت من القديم وتكبل أي تحديث أو تقدم . وهكذا مشروع يجب أن لا يتجاوز الواقع ويرتفع الى السماء بشعارات مجنحة وقيم متورمة ومترفعة ، فالمساواة والمشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية هي قيم لا تصنع بلغو الحديث ولا بمصطلحات ملغم بالتفاسير ، بل بإدارة صادقة يمكنها أن تتخطى مراحل كبيرة دون التعثر بالزمن او بالإمكانيات ، فهذه الإرادة ذات مشروع شامل لا يصب في مصلحة ضيقة وتنتهي ، ولا يهدف لجماعة تسعى من اجل التأثير على القرارات المصيرية بالعنف السياسي ( المقايضة ) أو العنف المسلح (مليشيات ) لتثبت وجودها ، بل يجب أن يهدف الحزب الى أيقاظ وتنشيط الجماهير لتندمج مع مشروعها الشامل المقدم عنها ليكون هدف علوي للنسيج الاجتماعي وليس مشروعا للتوقف والانجماد والعودة الى الوراء ، بما لا ينتمي والمرحلة التي يمر بها المجتمع ، واهم ما يشترط في التنمية السياسية هي التعددية الفعلية التي لا تدور في فلك السلطة الحاكمة ولا في خدمة أهدافها المقرة من قبل الحاكم . ولعل التجربة اثبت أن أي حزب علية أن يؤمن بالتعددية الحقيقية لا تعددية الشكلية او تعددية ( المجاملات ) لان دوام أي نظام سياسي لا يقوم ألا عليها ، وألا يكون حزبا يميني يخدم طبقته ما مستغلة تسعى الى السلطة وتهمش بقية الطبقات ، التي بدورها تعادل كفة السلطة في تتبنى حزبا يساريا يحد من الاستغلال اليميني .وفي ضوء ما تقدم يمكن القول أننا عندما نتحدث عن حزب سياسي فأننا نقصد منه الوجود الاتحادي الذي يجتمع فيه اغلب الفصائل ويشمل اغلب مطالبهم لتتكفل مشروع شاملا يعي التنمية السياسية ، وهذا ما يفترض أن ينطبق على التنظيمات الإسلامية التي حرمها التشريع الإسلامي أن تتجه نحوا التعصب الجاهلي بانواعة القديم قبلي او العشائري أو التعصب الحديث الايديولوجي .واليوم حين جاءت القوى السياسية من المنفى بعد التغير ، وبمختلف ألونها وأشكالها وتوجهاتها وهي لاتحمل معها طرحا شاملا أو حتى شكلا للعمل السياسي ، فكل ما تقدمت به هو مجرد مشاريع انفعالية يمكن وصفها كردة فعل لمتطلبات المرحلة ، خدمة ( اجندات ) الخارج لا أكثر ، لذا نجد أن العمل السياسي في حكومات ما بعد التغير تحول الى عمل وضيفي يخلو من الإرادة السياسي الفعلية كونها أحزاب أزمات ، والمصيبة الكبرى أن الوعي الجماهيري السياسي قد ركن الى تابلو تلك السلطة ( الياخذ أمي يصير عمي ) كون الجمهور لا يمتلك ألا تجربة مريرة لحكم دكتاتوري ، استغلتها تلك الأحزاب وأنمتها في داخلها الى جهل مركب يطيل من عمر نفوذها السياسي الى يومنا هذا .أن القوى السياسية القادمة من المنفى لم تكن ذات أد لجة فكرية لتولي السلطة ، فهي بقيت مرتهنة الى الفكر المعارضة فقط ، حتى بعد توليها السلطة ، لان فكرها أنحسر في كيفية التمسك والبقاء في السلطة .ولو تفحصنا تاريخ اغلب تلك الأحزاب لوجدناها أحزاب ( صراع ) جاءت بعد المد الفكري الغربي ( الرأسمالية والشيوعية ) الذي تسبب في طفحها الى السطح كأحزاب منقوصة للمشروع ، ثم تحولت فيما بعد الى قوى معارضة في المنفى ، وما يؤكد ذلك هو أن فكرها لم يتجاوز فضاءات الشهيد الصدر الأول ولم تتقدم من بعده بأي جديد حتى بعد توليها السلطة ، وهذا ما يؤكد أنها عاجزة على أن تجد لها آلية تسيرها ، بل أن توليها الحكم كان بمثابة مكيدة لإسقاطها بالمرة ، خصوصا بعد أتباعها لسياسة الذاكرة القريبة (دكتاتورية السلطة البعثية السابقة ) حينها أصبحت نظم رجعية تعتمد على قيادة سياسية تاريخية ، وشخصيات كاريزمية لا تحتمل وجود المنافس أو المعارضة معها . بمعنى أن القوى السياسية وبالتحديد الإسلامية لم تكن مرتبط بالظروف السياسية لتحقيق الديمقراطية بل كانت خيارتها تكتيكي مرحليه وليس خيارات إستراتيجي ، أولا لأنها لم تهضم الديمقراطية أو الاشتراكية في باطنها الأيديولوجية ، لان الإسلام قد توسط هذه المفاهيم ليخرجها من النقد ألتفكيكي ( كما جاء في طرح السيد الشهيد الصدر ) وثانيا لم تمتلك هذه الأحزاب نمط معرفي قادر على تبني نهج أو سلوك يخرجها من إطارها التقليدي (النصي ) لا في بنيتها المعرفية ولا حتى في عملها التطبيقي ، لهذا نجدها اليوم تومض بالاشتراكية أن كانت في الصف المعارض وبالديمقراطية حين تتولى السلطة ، وأن التجربة هي التي فرضت عليها لزوميات العمل بعيون ملونه ، اذ لم تجد في بطانتها أدوات أد لجة تسعفها ، ولم ينمو في محيطها الجبهوي أي برنامج سياسي شامل يلهيها عن صراعاتها الداخلية التي انعكست عليها سلبا بالانقسامات ، أما الخارج فقد تصاعد فيه النفور الجماهير وبدل أن تكون أحزاب جاذبة أصبحت أحزاب طاردة للجماهير .من هنا أدركت بعض القوى ماهية الحاجة لتنظير معاصر تتشعب منه مفاهيم اليوم في لغة مرنه تتحرر فيها الأفكار من تبعية التقليد ، ولكن تلك المحاولات لم تكن جادة وربما أوقعتها في الخطأ الأكبر وهو الترويج الأعلام الصاخب لوعيها وهو ( المطلق الاستسلامي ) الذي اعتمدت فيه على المسلمات الاجتماعية والدينية مثل القضاء والقدر واستعارة البطولات والمناقب الدينية والأمثلة الشعبية ، بل أن هذه النظم جندت مع الأسف بسطاء الناس لتحزبها ليستسلم الفرد ( لظل الله على الأرض ) متناسية أنها ترجع بالأمور الى الوراء ، الى النظم الدكتاتورية التي أمنت بسلاح الترغيب والترهيب ، سواء أن كان على المستوى الغيبي ( الأسطورة النازية ) أو على الواقعية آلا أخلاقية السياسية ، ( العقوبات ) أو ( المكافئات ) أن هذه الأحزاب الإسلامية تهدف من هذا الوعي الإيماني هو أن يتكفل في أشغال الجماهيري عن متطلبات المرحلة الاجتماعية والسياسية وليبقى الفرد خاضعا ومستسلما ومحرما على نفسه مطالبته بأي حق . لهذا وجهة هذه النظم برامجها وأعلامها الى المحرومين والفقراء لتنشر في أوساطهم ثقافة الصبر والانتظار والعزاء والسلوان على المصائب والمآسي التي تنبع من غضب الله وانتقاميه كما فعلت من قبل النظم الدكتاتورية التي حكمة من قبل ليبقى بذلك الحكم للسلطان الواحد الأحد . أن هذا الخطأ ستدركه تلك الأحزاب عاجلا ام أجلا ، أولا ـ لان الوعي الإيماني يعتمد على الثوابت التي لا تخدم السياسي أبدا مع عالم يتسارع بالمعلوماتية آلا أن تبنت نظاما شموليا ، دكتاتوريا ، وثانيا ـ أن الأعلام الحديث قد تبنى موت الأيدلوجيات ليتحقق له بناء أفقي يزلزل أرضية الأيدلوجيات ويتسلل بلا مقاومة باد لجة جديدة مستنبطة من ما توصلت إلية العلوم الحديثة عبر ( عولمة العالم ) أنها الدعاية الصامتة التي تكون اشد فاعلية من الدعاية الصاخبة ، وكما يقول لغوبلز ( إننا لا نتكلم لنقول شيئا، بل لنحصل على مفعولها ) . وهذا الأمر يشمل القوى التقدمية الليبرالية أو العلمانية فهي حين تهدف الى إشاعة حرية الإنسان ، تدافع بذلك عن حرية الأقلية ضد الأغلبية وحرية الجنس والعنف والفوضى وكل تلك الأفكار التي جاءت مسلفنة وجاهزة من قيح الرأسمالية العالمية التي جملت قسوتها بحريات زائفة تمازج راس المال العالمي بالسياسة ليكون من يتسلم السلطة هو من تصنعه تلك ألأموال والتي لا يمكن للفرد العادي تحمل تكلفتها ، ولهذا يكون كل حكام الأرض مدانون للرأس مالية العالمية التي يجب أن ترضى عنهم وان يكونوا عبيدا مطيعين في تبني مشاريعها الانتفاخية لكروش الإمبريالية العالمية كما يحصل في عراق اليوم .
https://telegram.me/buratha