السيد حسين محمد هادي الصدر
مناصب أم مصائب ؟ لا تثير مسألة المناصب ، موجةً من الغبار الكثيف والعواصف القوية ، أذا كانت الأحوال السياسية في البلاد ، هادئة مستقرة ، وسرعان ما يتم القبول بها ، والتعامل معها بطريقة طبيعية ، بعيدة عن الضجيج والمشكلات ، سياسياً ، وإعلامياً ، واجتماعياً . ولكنّ المناصب تُصبح أمَّ المصائب ، اذا كانت الأوضاع السياسية متأزمة متوترة ، وكانت الثقة بين السياسيين أنفسهم ، ذات منسوب منخفض الى حد سحيق ، فضلاً عن تململ الجماهير ، وشعورها بسيطرة المصالح الذاتية والفئوية على مسارات السياسيين المحترفين بوجه عام ، الأمر الذي يجعلها شديدة الأنقباض من المناورات ، والفصول المرّة ، لتمرير من ترغب بعض الكتل السياسية بنصبه في بعض المواقع العليا في الدولة .ولا نذيع سراً اذا قلنا : بأن منصب النائب الثالث لرئيس الجمهورية قد أصبح أحدى المفردات الشائكة في الخارطة السياسية العراقية .أن أئتلاف دولة القانون قد أصرّ على ترشيح النائب خضير الخزاعي للمنصب المذكور ، واصطدمت هذه الرغبة بعوائق عديدة ، في طليعتها رفض المرجعية الدينية لإستحداث منصب النائب الثالث بأعتبار منصباً ، لا يؤدي عمليا ألاّ الى مزيد من أستنزاف الثروة الوطنية ، وزيادة في الترهل ، وتضخيم للهيكل التنفيذي بلا أية حصيلة أيجابية او مردود نافع للشعب وللوطن ، بل للعملية السياسية برمتها ....هذا من جانب ومن جانب أخر لم يحظ هذا الترشيح بقبول العديد من السياسيين العراقيين في التحالف الوطني نفسه، فقد دُعي النائب الخزاعي صراحة ، الى الانسحاب من الترشح لذلك المنصب ، حيث لا حاجة الى المنصب المذكور ، في ظل انعدام الصلاحيات والواجبات المناطة به .واما الكتل السياسية الأخرى فقد عبّرت عن رفضها تلميحاً ، حينما صوتت لصالح قرار مجلس النواب العراقي بالتصويت على المرشحين لنيابة رئاسة الجمهورية واحداً واحداً، وليس ضمن سلة واحدة .وقد باءت بالفشل كل الجهود والمحاولات المبذولة لجعل التصويت ضمن سلة واحدة . والساحة العراقية لم تقف صامته أزاء هذه القضية، فقد تعالت الأصوات الرافضة لترشيح النائب خضير الخزاعي لمنصب النائب الثالث لرئاسة الجمهورية .ومع هذا الرفض الصريح ، كيف يسوغ لجهة سياسية عراقية ان تصم مسامعها عن هذا النداء ؟!انّ على السياسيين العراقيين ان يكونوا واقعيين .ولن يكونوا كذلك أذا ضربوا أراء الجماهير ورغباتهم عرض الجدار .انهم حينما يتنكرون لرغبات الجماهير ، أنما يعزلون انفسهم ، ويسيئون الى مستقبلهم السياسي .وهكذا يخسرون الحاضر والمستقبل وهذا هو الخسران المبين ان منصب النائب الثالث لرئيس الجمهورية واجه عقبتين أساسيتين :العقبة الأولى : هي الرفض المطلق لأستحداث هذا المنصب أصلاً حيث لا حاجة اليه .العقبة الثانية : اجتماع عدة أسباب تدعوا الى رفض مرشح أئتلاف دولة القانون بالذات .منها : الفشل في الأداء ، حين أنيطت به وزارة التربية، وقد أرجعت معظم تخصيصات الوزارة المذكورة الى وزارة المالية ، في حين أن البلاد بأمس الحاجة الى بناء المدارس في عموم المحافظات العراقية . ان هناك ما لا يحصى من المدارس الطينية ، والأوضاع الدراسية المذله لملايين الطلاب والطالبات العراقيات .ومنها : تجاوز عناصر حماية الوزير السابق على طلاب أحد المراكز الأمتحانية ، وأطلاق النار عليهم ، ولم تنشر حتى الأن لجنة التحقيق المشكلة لهذا الغرض، نتائج عملها، الأمر الذي ضاعف نقمة الجماهير وسخطها .ومنها : الشكوك التي أثيرت حول شهادته العليا (...) وقد عززها هو بنفسه، حينما لم يقدّم شهادته العليا ضمن الوثائق الرسمية التي قدّمها للمفوضية العليا للأنتخابات .ومنها : مشكلات أثيرتْ حول عقود صُرفت مبالغها لجهاتٍ ، على أن تقوم ببناء مدارس ، ولم تقم حتى الأن الأ هياكلها .وفي ما ذكرناه من الأسباب غنىً عن الأسترسال في تعداد عوامل وأسباب أخرى .وفي ضوء ما تقدم ، يكون من المتعيّن ، حفاظاً على الضوابط ، واللياقات العامة ، أن ُيتخذ أحد أجرائين :اما انسحاب المرشح المذكور طوعاً ، وأستدال الستار على هذا الوضع الشائك ، الذي يشي في حال الأصرار عليه ، بمشكلات سياسية ، وتعقيدات كثيرة، لسنا بحاجة اليها ،مع كثرة ما نعانيه من مشكلات وأزمات ،وهذا هو الأسلم .وأما أتخاذ الجهة التي رشحته قرارها الحاسم بسحب ترشيحها له .اننا نرفض منطق اللجوء الى ( صفقات ) معينّة يتم من خلالها تجاوز الصعوبات .ان زمن الصفقات السياسية قد ولّى الى غير عودة ، وجاء دور الشباب والحراك الشبابي المكتسح لكل المعادلات والمناورات الكلاسيكية ، التي لم تستطيع ان تقف في مواجهة هذا المدّ المتصاعد ، والتسونامي السياسي الذي هزّ المنطقة بأسرها ، فكتب معادلات جديدة وسجّل حقائق لا ينبغي ان تُنسى .أهم تلك الحقائق :ان أرادة الشعوب هي التي تنتصر ، وليس أرادة الحكام أو النخب السياسية وهكذا يجب ان تفهم المرحلة ، بمنطقها الجديد ، وحراكها العتيد ، وطابعها الفريد .حســـين الصـــدر
https://telegram.me/buratha