حسين دويج الجابري
درجت العادة على إن الحكومات في كل دول العالم تضع نصب عينيها أهدافا إستراتيجية في مقدمتها المتبنيات الاقتصادية ,, كون الاقتصاد عصب الحياة السياسية والاجتماعية منذ دبت الخليقة على الأرض ,, واعتمدت المجتمعات البدائية منها والمتطورة على أساليب للعيش تعتمد اقتصادات تتناسب والظروف وكذلك الخصوصيات الطبيعية والفكرية والاجتماعية أيضا ,,ويبدوا إن الإنسان جبل على صياغة توليفة تتناسب والمعطيات المحيطة من اجل البقاء ,, غير إن الحياة في عصر الانفتاح والعولمة ازدادت تعقيدا بمقدار السهولة التي وفرتها التكنولوجيا ,, أي إن نظرية العالم قرية صغيرة وفرت لجهات بعينها الثراء الفاحش وكذلك سلبت من الطبقات البسيطة معظم أقواتها ,, وهذا يعيدنا إلى التفكير بالتاريخ الاقتصادي للشعوب ونشوء النظريات الاقتصادية التي أرهقت المجتمعات بشكل كبير وجرت عليهم الويلات وسيادة رؤؤس الأموال ,, فالنظرية الفيزوقراطية والنظرية الكلاسيكية الرأسمالية والنظرية الشيوعية الاشتراكية جميعهم كانوا مراحل من التاريخ الأسود الذي راح ضحيته الملايين من بني البشر ,, وبالرغم من إن علم الاقتصاد من العلوم الجافة التي تنفر القارئ غير المتخصص إلا إن الكثير من الشعوب الإقليمية في العقود الأخيرة أخذت تتعلم وتعرف خطط حكوماتها في التطوير والتنمية , أولا لان الحكومات تعتمد بقوة على أنظمة الضرائب التي تستحصل من شعوبها في موازنتها ,,وثانيا لان الجماهير أدركت إن الحياة العلمية أساس معيشتها المريحة ,, ولكن لماذا لازال الشعب العراقي غير مهتم بالمعرفة الاقتصادية ؟؟ ولماذا أيضا الحكومة بلا رؤية واضحة للاقتصاد ومستقبل البلاد ؟ قد نعترف بان النظام السابق لم يضع في حساباته مثل هذه الخطط والبرامج كونه أولى أهمية لسياسة الحرب منذ بداية تسيده البلد , واعتمد على ثراء البلد الطبيعي ومخزوناتة من النفط ,, وكذلك سلك سلوك الأباطرة الفاشستيين في الاستحواذ على الثروة ينفقها كيف يشاء بلا رقيب أو حسيب ,, فهل هذا يعني إن الثقافة الخاطئة يجب أن تستمر بعد انهيار مثل تلك الأنظمة ؟ ولماذا بعد مرور ما يناهز العقد على سقوط ذلك النظام لم ترسم سياسة واضحة غير سياسة الخطابات في الرؤية الاقتصادية ؟؟ إن المقبور حطم كل شيء ولم يبقي غير ثقافة متخلفة تعشعش في رؤؤس الكثيرين من أبناء هذا البلد الذين لايريدون أن ينطلقوا إلى آفاق الدنيا بمنهج تنافسي شريف بقدر الانقضاض على الأشياء بلا مسوغ أو حق ,, والغريب إن الدعوة إلى بناء حكومة تكنوقراط أخذت تتلاشى ثم اندحرت وسط ملايين الشعارات الرنانة التي مزقت آذان الجماهير معتمدة على التخلف الكبير الذي تعيشه ألامه , وان حكومة التكنوقراط قد تكون مفيدة وقادرة على اعتماد الدراسات المنطقية ,, وقد نعرف من خلالها ماهي الأولوية التي تعتمدها وماهي الخطة التي تنتهجها ومداها ,, بينما لازلنا في خضم الخطابات والشعارات الإعلامية غير المدروسة لاندري هل الحد من التضخم على قائمة أولويات حكومتنا ؟ أم جذب الاستثمارات ؟ وماهي الخطة الاستثمارية ؟ هل هي عبارة عن تسهيلات للمستثمرين ؟ أم هي خطة واضحة تصنف الأراضي وتحسب قيمتها وأهميتها للمصلحة العامة ؟ أم إن أولويات حكومتنا الحد من البطالة المستشرية ؟ وكيف ؟ وفي نفس الوقت هل نواب الشعب الذين جاءوا من رحم الأمة مدركين للدور المناط بهم في رسم ملامح حياة الإنسان وكرامته وبناء الوطن ؟ أم هم منشغلين بالعراك الدائم تحت قبة البرلمان على المصالح الفئوية والجهوية والشخصية الضيقة ؟ هل ناقش البرلمانيون أهمية وجود رديف قوي ومؤثر للاقتصاد الأحادي المتذبذب في هذا الزمن السريع والمتقدم ؟ أم إن العراق لايمكن أن يشهد مرحلة ازدهار تتناسب ودورة في التاريخ ,, الواقع إن الحكومة العراقية في دورتيها السابقتين وما سبقهما من انتقالات حكومية لايعطي مؤشرا واضحا على إن السياسة في الصعيدين الاتحادي والمحلي تضع خطة ممنهجة وواضحة لبناء اقتصاد متين في دولة مثل العراق امتلكت كافة مقومات الارتقاء من رأس المال والطاقة والموارد البشرية واليسير من المعرفة ,, فالبرنامج الاستثماري ذو القانون رقم 13 لسنة 2006 والتعديلات على هذا القانون في العام 2010 لايعتبر برنامجا اقتصاديا فاعلا لأنة لايرسم أهدافا إستراتيجية واضحة تقوم على مرحلية البناء الرصين بقدر ماهو انبهار بتجارب البلدان التي زارها السادة المسئولون واستنساخ للتشجيعات التي تقدمها دول الشرق الأدنى للمستثمرين ,, نحن لانريد أن ننكر أهمية الاستثمار في تنشيط الاقتصاد ,, ولكن نريد أن يكون الاستثمار في العراق مبني على أساس وخطة تبدأ بمستوى وتنتهي بمستوى آخر ,, ولا يغفل دور الاستثمار في ارتفاع معدلات الفقر في بلد مثل العراق مؤهلات معظم أهلة الاعتماد على الحكومة ,, إن الاستثمار في كافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية لايهدف إلا لتحقيق الأرباح ,, وبالتالي فان أصحاب الدخل المحدود والفقراء من أبناء هذا الشعب سوف ينالون حظهم الكبير من التردي ,, بالتأكيد إن البعض سوف يعارض هذا المنطق وأول مايبادر إلى اتهامنا بالأيمان بالفكر الاقتصادي الماركسي , الذي يقول بالاشتراكية ,, غير إن الواقع في مختلف دول العالم التي جذبت الاستثمارات أليها ومنها الإمارات العربية المثال الأكثر حضورا في تداولاتنا اليومية يؤكد إن أبناء هذا البلد ورغم البناء الهائل والتطور الكبير في الاقتصاد هم في حالات ضيق وفقر ,, وان الجاليات المختلفة المنتشرة في كل شبر من ارض الإمارات لم تترك لهم الفرص المناسبة للعمل وزيادة المداخيل ,, وان الكثير من مواطني الإمارات يتعاملون بطريقة بيع الاقامات على الوافدين في مدا خيلهم وإعطاء أسمائهم للجاليات لفتح مشاريع هي من حق المستثمر والمواطن ليس له إلا اجر ضئيل جدا يقبضه لمرة واحدة ,, بالإضافة إلى إن التشابه كبير بين قبليات العراقي والإماراتي من حيث القدرة على العمل والدقة في الأداء ,, إن الدولة والحكومة في العراق الجديد والتي أصبحت مغنما للكيانات والسياسيين الكبار هي في الحقيقة لاتتصور الأوضاع المستقبلية التي قد تأول أليها البلاد ,, إن الأوضاع السياسية والتجاذبات والتضخم الاقتصادي والإداري والفساد الذي ينهش مرافق الدولة يحتاج إلى وقفة فرسان وشهداء ,, لذا علينا أن نروي من جديد أسطورة الشهداء علها تؤثر في صناع القرار وان كنا لانرحب بقرارات الأفراد والرموز لأننا نؤمن برمزية المجتمع فقط ,,,
https://telegram.me/buratha