المقالات

العراق : "ازمة الثقة".. وملامح الخارطة السياسية البديلة

1079 16:19:00 2011-04-29

عادل الجبوري

برز بعد انفراج ازمة تشكيل الحكومة العراقية اواخر العام الماضي اتجاهان في قراءة واستشراف طبيعة المشهد السياسي العراقي، الاول ذهب الى ان الارضيات والمناخات التي هيأت لانهاء الازمة من شأنها ان تخلق قدرا كبيرا من الاستقرار السياسي ويمهد لمرحلة جديدة مختلفة عن سابقتها، اما الاتجاه الثاني فذهب الى ان المخرج لحل الازمة حمل معه بذور مزيد من الازمات السياسية التي من غير الممكن احتوائها وتطويقها في ظل الواقع القائم وافاق المرحلة المقبلة.الان وبعد مرور اكثر من اربعة شهور على تشكيل الحكومة يبدو من خلال المعطيات القائمة على الارض ان الاتجاه الثاني هو الاقرب الى الواقع، والوصف-او التوصيف-الحقيقي للمشهد الحالي "ان ازمة الثقة بين الفرقاء السياسيين عصية عن الحل او حتى الحلحلة، وان الامور تتجه يوما بعد اخر الى المزيد من التأزم والاحتقان".وبينما لم يستند اصحاب الاتجاه الاول -المتفاءل-في قراءاتهم على حقائق ومعطيات واقعية، بل على تمنيات ورغبات او مايسمى بالتفكير الرغبي(wishful thinking)، كانت المرشرات والارقام والمعطيات لدى اصحاب الاتجاه الثاني واضحة ومقنعة ومتبلورة الى حد كبير ومنذ وقت مبكر.ومن بين تلك المؤشرات والارقام والمعطيات:-التشكيلة الحكومية التي تم منحها مجلس النواب العراقي الثقة في الثاني والعشرين من شهر كانون الاول-ديسمبر الماضي ، لم تكن مكتملة ، ففضلا عن تولي رئيس الوزراء وزارات الدفاع والداخلية والامن الوطني بالوكالة، فأن حوالي ثمانية وزارات اخرى اسندت بالوكالة الى وزراء اخرين، وبينما حسم امر هذه الوزارات التي اغلبها وزارات دولة، مازالت قضية الوزارات الامنية معلقة وتدور في حلقة مفرغة.-بلغ مجموع المواقع في التشكيلة الحكومية الجديدة واحد واربعين موقعا من ضمنها رئيس الحكومة ونوابه الثلاثة، أي ان الحكومة الجديدة اصبحت اكبر من الحكومة السابقة، واكثر ترهلا، لاسيما اذا عرفنا ان عددا غير قليل من الوزارات هي وزارات دولة، بعضها قديمة وبعضها تم استحداثها، وكلها لاتتمتع بأهمية يعتد بها، وان المحاصصة والمساومات والترضيات هي التي فرضتها، وهذا يعني انه لاينتظر منها ان تساهم في عملية الاصلاح والنهوض بقدر ما تستنزف المزيد من الاموال من ميزانية الدولة.-لم يكن ممكنا تشكيل الحكومة الا بعد اتفاقيات سياسية رعاها رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني بين نوري المالكي واياد علاوي، قضت بالدرجة الاساس انشاء المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية العليا بشرط ان يتولى رئاسته علاوي.-تم انتخاب رئيس الجمهورية بوقت مبكر بحكم السياقات الدستورية التي تقضي بأن يتم انتخابيه اولا، لتكون الخطوة اللاحقة تكليف مرشح الكتلة النيبابية الاكبر لتشكيل الحكومة، بيد ان مسألة نواب الرئيس لم تحسم حتى الان، ومازال الجدل والسجال قائما على اشده بين الكتل السياسية حول عدد نواب الرئيس وحول طريقة التصويت عليهم من قبل مجلس النواب، وحول انتماءهم المذهبي والقومي وكذلك جنسهم.-منذ الجلسة الاولى لمجلس النواب طفت على السطح الهوة الواسعة بين السلطتين التشريعية والنفيذية، حينما ظهر التشنج بين رئيس الاولى اسامة النجيفي الممثل للقائمة العراقية، ورئيس الثانية نوري المالكي الممثل للتحالف الوطني. ومع مرور الوقت اخذت وتيرة التشنج بين الاثنين بالتزايد والاتساع حول قضايا مختلفة كان ابرزها حينما رفض النجيفي طلبا من المالكي بأعادة خمسة قوانين الى مجلس الوزراء وعدم طرحها للنقاش تحت قبة البرلمان، والقوانين الخمسة هي قانون هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والمفتشين العامين للوزارات ومجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية.-زيادة عدد نواب رئيسي الوزراء والجمهورية عكس عمق ازمة الثقة بين الفرقاء لا ذلك لم ينطلق من ضرورات واقعية، ولايبتعد تأخر تعيين الوزراء الامنيين عن هذا الاطار، وهذا ما راح ينسحب على الحكومات المحلية ومجالس المحافظات وطبيعة علاقتها مع الحكومة الاتحادية، فعلى سبيل المثل اذعن محافظي محافظات البصرة وواسط وبابل لاوامر رئيس الورزاء بالاستقالة بينما لم يستجب محافظ نينوى اثيل النجيفي-وهو شقيق رئيس البرلمان-لطلب المالكي منه بالاستقالة.-التظاهرات الجماهيرية التي اجتاحت محافظات البلاد منذ شهر شباط-فبراير الماضي وبلغت ذروتها في الخامس والعشرين منه اطلقت رسائل قوية الى الحكومة مفادها انها عرضة للسقوط والانهيار في اي وقت مالم تعالج الواقع المزري، لاسيما على الصعيد الخدمي الحياتي بعناوينه المختلفة. والحكومة من جانبها فهمت واستوعبت مضامين تلك الرسائل وراحت تحاول القيام بأجراءات سريعة لامتصاص ثورة الغضب والاستياء الشعبي، ولكن السؤال الذي مازال مطروحا هو ... هل ان ماقامت به كان كافيا ومقنعا وواقعيا ومقبولا؟.. على ضوء المعطيات الظاهرة لايبدو كذلك.-الى جانب المناكفات والتهديد المتبادل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والكتل التي تقف ورائهما بسحب الثقة، راح الحديث عن حل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة اغلبية سياسية يشغل حيزا في ميدان النقاشات والسجالات السياسية المحتدمة.امين عام مجلس الوزراء علي العلاق ، والذي يعد من المقربين للمالكي صرح قبل بضعة ايام في مؤتمر صحفي بوجود توجه من قبل قوى سياسية واحزب وطنية لتشكيل حكومة اغلبية سياسية تكون بديلة لحكومة ما تسمى بـ "الشراكة الوطنية"في حال لم يطرأ تطور في الاداء الحكومي والسياسي بعد انقضاء مهلة المائة يوم التي حددها رئيس الوزراء لوزرائه والدوائر الحكومية.واكثر من ذلك فأن المالكي قابل تهديدات القائمة العراقية بسحب الثقة من الحكومة في حال فشلها، بالتهديد بأقالة الوزراء المقصرين، قائلا ان مهلة اليوم لاتقتصر على الحكومة بل انها تسري على البرلمان وعلى الحكومات المحلية ايضا.وكل هذه المؤشرات والارقام والمعطيات كافية لرسم الصورة الحقيقية للواقع بكل تجلياتها، ليكون عنوانها العام "ازمة الثقة".ولم يعد السياسيون يتحرجون من الحديث عن هذه الازمة بكل صراحة، ويؤكدون ان اي حديث عن الشراكة لاقيمة ولامعنى له في ظل الاوضاع المحتقنة والمتأزمة بين الشركاء في الحكومة والبرلمان.ولم تذهب بعيدا المتحدثة بأسم القائمة العراقية ميسون الدملوجي حينما قالت "ان عامل الثقة غائب بشكل كامل بين القوى السياسية على خلفية عدم التزام اطراف سياسية مهمة بأتفاقيات اربيل التي افضت الى تشكيل الحكومة". وبنفس الاتجاه يؤكد عضو التحالف الوطني عبد الحسين عبطان على اهمية عقد قمة سياسية موسعة تجمع كل الفرقاء حول طاولة واحدة للبحث في الخلافات الحالية ووضع الحلول لها".اما عضو التحالف الكردستاني محمود عثمان فقد بدا اكثر وضوحا حينما قال محذرا "ان عدم الاتفاق على مجلس السياسات الاستراتيجية العليا واحتمال التخلي عنه، والخلاف الكبير حول الوزارات الامنية، وكثرة الاستجوابات لاعضاء من السلطة التنفيذية من قبل البرلمان، كلها اسباب قد تعجل بأنهيار الحكومة، فضلا عن انه من الصعب استمرارها في ظل عدم اكتمالها".ومن الطبيعي انه حينما تطغي الخلافات والتقاطعات على التفاهمات والتوافقات، وحينما تسود القراءات المتشائمة على القراءات المتفاءلة بشأن مصير الحكومة الحالية ، فهذا يعني ان الخارطة السياسية مرشحة ومهيأة لتغييرات وتبدلات قد تكون كبيرة، وربما نحتاج الى التذكير برؤية استشرافية طرحها احد كبار الساسة العراقيين في خضم الصراع حول تشكيل الحكومة صيف العام الماضي، اكد فيها ان اية حكومة لاتشكل وفق مبدأ الشراكة الوطنية الحقيقية-لا الشكلية-لن تستمر اكثر من ستة شهور!.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك