بقلم: عبد الواحد ناصر البحراني
لم يكن سهلا ً على الولايات المتحدة الأمريكية رحيل نظام حسني مبارك و قبله بن علي. فهما حلفاء أساسيين لمصالح أمريكا في المنطقة. لكن حجم الثورة الشعبية التي اندلعت في كل من البلدين و الزخم الإعلامي الذي ترافق معها أجبر الولايات المتحدة على الانصياع إلى حجم الضغوطات الداخلية و الدولية لمساعدة الشعوب للتخلص من الأنظمة القامعة لها. و ما يجري في ليبيا أيضا ً ما هو إلا تبعات لهذه الضغوط بالإضافة إلى مصالح الغرب في التخلص من نظام القذافي الذي لطالما اتهم بدعمه للإرهاب و الحركات المعادية.
و حاليا ً فإننا نشهد ذات الدعم الغربي للتحركات الشعبية في سوريا و مطالبات بعدم استخدام العنف و التلويح بلغة دبلوماسية بإجراءات أكثر صرامة. و كذلك هو الوضع بالنسبة لليمن الذي و إن كان هناك نقل مباشر أحيانا ً لما يجري فيه من قتل للأبرياء من قبل نظام علي عبد الله صالح إلا أن التحرك الدولي بطيء نسبيا ً ، بل أقحم فيه دول مجلس التعاون الخليجي و ذلك لمصالح تتعلق بالنظام السعودي ذاته و خاصة المخاوف المتعلقة بالحوثيين أو بعض المتطرفين كالقاعدة.
أما ما يجري في البحرين فعلى الرغم من أنه مشابه تماما ً لما يجري في أي بلد عربي من خروج لتظاهرات سلمية و القمع المسلح من قبل السلطة الحاكمة إلا أننا نشهد تعتيما ً إعلاميا ً عربيا ً كبيرا ً قد يصل إلى حد التواطؤ. و يقابل هذا الصمت الإعلامي العربي صمت حكومي غربي يتفق مع مصالح الغرب و الولايات المتحدة الأمريكية مع النظام البحريني و يتعارض مع ما ينشره الإعلام الغربي عن جرائم و فظائع بحق الشعب الأعزل هناك.
فالقنوات الغربية تنشر في تقارير شبه يومية أخبارا ً و صورا ً عن أعمال قتل و قمع و تعذيب و اعتقالات و دهم و هدم لمساجد و استفزازات و تخريب لممتلكات عامة. و هذا كله يترافق مع مقالات لعديد من الصحفيين الغربيين عن سر الصمت الحكومي الغربي تجاه ما يجري في البحرين و عن تعارض هذا الصمت الغربي من قبل الحكومات مع القيم التي تنادي بالحرية و دعم الشعوب في حق تقرير مصيرها.
و الواقع أن الولايات المتحدة استشعرت خطورة هذا الأمر منذ البداية و حاولت أن لا تظهر في صورة المعادي لحرية الشعوب ، خاصة و أن إدارة الرئيس أوباما كانت تريد تحسين صورتها في العالم العربي و الإسلامي. و هذا ما قامت به في مصر و تونس حيث عملت على تأييد التحرك الشعبي هناك و كأنها راعية لهذا التحرك.
أما في البحرين فقد واجهتها صعوبات جمة. فالبحرين كما هو معروف هي مركز للأسطول الأمريكي الخامس و هي في موقع قريب من إيران التي قد تستغل التغيير القادم في البحرين. لذا فقد تم إرسال وزير الدفاع الأمريكي (روبرت جيتس) في بدايات (الأزمة) للقاء الملك البحريني و ولي عهده للحديث عن إمكانية التحول إلى الملكية الدستورية التي طالبت بها المعارضة البحرينية منذ زمن و كانت المطلب الرئيسي للتظاهرات لدى انطلاقها. و قد أبدى الملك و ولي عهده رغبة في الحوار مع المعارضين لكن هذه الرغبة اصدمت برفض رئيس الوزراء البحريني (خليفة بن سلمان آل خليفة) عم الملك الحالي (حمد بن عيسى آل خليفة) و طلبه من القوات السعودية المساندة في قمع التظاهرات الشعبية. و ذلك في محاولة لسد الباب أما (غيتس) ، الذي تجنب منذ البداية زيارة رئيس الوزراء البحريني في رسالة واضحة لرغبة واشنطن في تهدئة الأوضاع . إلا أن (غيتس) وجد نفسه في وضع محرج و بدلا ً من أن يسلم رسالة أمريكية فإنه كان قد تسلم رسالة سعودية مفادها أن المملكة ترفض أي محاولة لتغيير نظام الحكم في البحرين أو إعطاء أي دور سياسي يذكر (للشيعة) و قد تمثلت هذه الرسالة بدخول قوات سعودية بغطاء ما يعرف بدرع الجزيرة.
أما عن سبب الرفض السعودي فهو لوأد أي نموذج ملكي دستوري في الخليج لأن ولادة هذا النموذج تعني إمكانية وجوده و العمل به في المملكة العربية السعودية أيضا ً. خاصة و أن جزءا ً غير قليل من الشعب السعودي المتواجد في المنطقة الشرقية و الإحساء هم من السلمين الشيعة أيضا ً و هم كانوا و لا يزالون يشعرون بالتهميش و يطالبون بدور سياسي و تمثيل أكبر في دوائر الحكومة. كما أن المملكة التي أنشأت جسرا ً بينها و بين البحرين لن تدع سيطرتها على هذه الجزيرة تضعف لصالح قوى (شيعية) بحرينية معارضة تعتبرها مؤيدة لإيران.
هذا الرفض السعودي و التأييد الخليجي الواسع له و الخوف من إيران و الحفاظ على منابع النفط مستقرة جعل الولايات المتحدة الأمريكية و الغرب برمته يوازن بين مصالحه مع شركائه في المنطقة و قيمه المنادية بالحرية أمام شعوبه.
لكن المراقبين و المحللين السياسيين للأوضاع في الخليج يرون أن آبار النفط هناك و خاصة في السعودية و البحرين تقع على جمر ملتهب. فعلى المدى القصير يستطيع الغرب الاعتماد على حلفائه هناك في قمع معارضيهم . أما على المدى البعيد فإن هذا التقييم هو خاطىء إلى درجة كبيرة. و يبدو أن دروس مصر و تونس لم تستوعب جيدا ً من قبل الغرب الذي يكرر خطأه الاستراتيجي في الاعتماد على الأنظمة أو التعتيم الإعلامي و تجاهل الشعوب. فالمعارضة الشعبية في كل من البحرين و السعودية لم تعد مقتصرة ً على طائفة بحد ذاتها و إنما تعدتها لتصل إلى الجميع و إلى شرائح غير دينية تطالب بالإصلاح. و هو ما يعني أن الأمر ليس إلا مجرد وقت حتى نشهد انفجارا ً شعبيا ً عارما ً قد لا تستطيع القوة العسكرية منعه و يكون محرجا ً جدا ً لحكومات العالم الغربي التي لن تعرف كيف ستواجه شعوبها أو صحافتها و ما هي المبررات التي سوف تطرحها أمامها.
إن صراع الغرب بين القيم التي بنيت عليها دساتيره و المصالح التي تغذي اقتصاداته ، و الذي بدا واضحا ً في انتفاضة البحرين ، لن يبقى محصورا ً في البحرين أو الخليج العربي فقط. فالنظام الحاكم في البحرين يصعّد يوما ً بعد الآخر من أعمال القمع و الاضطهاد ضد الشعب البحريني الأعزل و في نفس الوقت فإن تقارير الإعلام الغربي التي تفضح هذه الجرائم تشهد تزايدا ً و كثافة. و عندها لن يكون بمقدور الغرب أن يفسر انحيازه للظالم على حساب المظلوم أيا ً كان هذا الظالم و مهما بلغ ثراؤه النفطي.
https://telegram.me/buratha