حافظ آل بشارة
الفساد كالأرهاب وهما وجهان لعملة واحدة ، والمعركة مع الفساد تأتي في ترتيب الاولويات بعد المعركة مع الارهاب او مزامنة لها ، والفرق بين المعركتين ان الاولى جرت بخطة جيدة وامكانيات استثنائية ، فيما اهملت الثانية فهي معركة شكلية ليس فيها خنادق ولا استحضارات ولا مشاة ولا مدفعية ولا اطار عقيدي أو اخلاقي واضح ، لا تستند الى تعبئة قيمية مؤثرة ، ولا تضمن اقتلاع خلايا المرض ، هناك من يروج بأن المعركة مع الفساد بدأت وهناك من يقول انها انتهت ! ليس هناك انتصارات يعتد بها في هذه الحرب المزعومة ، اذا كانت المشكلة في الخدمات الاعلامية الضرورية ستبقى المنجزات الكبيرة في زاوية مظلمة فأين شبكة الاعلام واساطيلها وانفاقها المذهل؟ اي معركة لا تنتصر بلا تخطيط ، هناك فوضى وارتجال واعمال فردية في هذه المواجهة الخطيرة ، الفساد عدو حقيقي له قيادة وحواضن اجتماعية تستثمر خللا ثقافيا يتمثل بتراجع خطير في ثقافة رفض السرقة والاختلاس والتلاعب المالي والاداري في اوساط المجتمع الذي اصبح بحاجة الى اعادة تعبئة وتعريف الفساد في الرأي العام كرذيلة بشعة يتسامى الشرفاء عنها والتشجيع على عزل المفسدين ومقاطعتهم اجتماعيا وجعلهم يشعرون بفقدان الاحترام والادانة المعنوية ، ونشر القيم الاخلاقية ، ولا يوجد اغنى من الدين قرآنا وسنة في ترسيخ النزاهة والاستقامة والفضيلة واحياء البلاغ الاسلامي وتفعيل دور المسجد ، وتجديد منطلقات الخطاب الديني الارشادي الذي كان ومازال احد أهم روافد بناء ثقافة الأمة وثوابتها الاخلاقية وتقوية ارتباط الناس بالمعاد ودوره في ردع المخطئين ، وتقوية دور وزارة الثقافة ، ومواجهة الغزو الثقافي الذي كان دائما وسيلة لاضعاف دور الدين والوازع الديني في الحياة وبالتالي فهو أحد اهم وسائل دعم الفساد ، واعادة النظر في المؤسسات الحالية المعنية بهذه المعركة من ناحية الهيكلية والاهداف والوسائل والتخطيط ، وتوفير الحماية الأمنية لمن يعملون في فتح ومتابعة ملفات الفساد سواء كانوا ضمن هيئة النزاهة او لجنة النزاهة النيابية او ديوان الرقابة المالية او المفتشين العامين ، خاصة وان بعض الاغتيالات الاخيرة في بغداد استهدفت اشخاصا لهم علاقة بكشف ملفات فساد او متوقع منهم ان يقوموا بذلك ضمن عملهم ، وهذا يعني عجز الجهات المعنية عن توفير الحماية اللازمة لمن ينخرطون في معركة مكافحة الفساد ، وقد سجلت ملاحظات عديدة حول سير المعركة المفترضة ، فبعض الملفات التي يتم كشفها حاليا تستخدم في الدعاية لطرف أو فرد ، ويجري تسييس ملفات اخرى مع ان اللصوص ليس لهم فئة او حزب ولا يتشرف احد بالتعاطف معهم ، ناهيك عن الانتقائية اذ يجري تقديم الاقل اهمية ثم التستر على حالات فساد صديقة ، والتشديد على فساد الآخرين ، لا مفر من الاعتراف بأنها معركة بكل المقاييس ويمكن ان تجر الى تصفيات سرية مسلحة ، ويمكن ان تؤدي الى سقوط اشخاص واحزاب . يجب القبول بهذه النتائج وليكن الشعب العراقي هو المنتصر الاخير .
https://telegram.me/buratha