حافظ آل بشارة
ملف انسحاب القوات الامريكية من العراق نزل من رف الحفظ واصبح فوق الطاولة ، الاتفاقية الموقعة بين البلدين تضم مواعيد وآليات وسياق قانوني تنفيذي واضح لا يحتمل التكهنات ، وتتمتع الاتفاقية بقوة دستورية كنص وكوثيقة تشريعية ملزمة ، واذا كانت في هذا البلد حرمة للقوانين والآليات فتلك الحرمة تشمل تلك الاتفاقية وتجعلها محصنة من اي تصورات مزاجية ، الاتفاقية تضم موعيد سحب القوات من المدن ثم سحبها من البلد ، وتحدد واجب كل من الحكومة العراقية والحكومة الامريكية تجاه الاتفاقية ، يفترض ان يكتمل سحب القوات الامريكية نهاية هذه السنة ، كما تنص على ان اي تغيير في المواعيد امر ممكن بشرط ان يجري على اساس طلب من الحكومة العراقية توافق عليه الولايات المتحدة ، وتسمح للعراق بالاستعانة بالامكانيات الامريكية من مدربين وتقنيات لتطوير ملاكاته وقدراته العسكرية ، ومع كل هذا الوضوح في النص ومع تاكيد الطرفين على ان شيئا لم يتغير في الموضوع تحولت قضية الانسحاب الى ملف جديد للفتنة والاتهام ونشر الاكاذيب ، قالوا ان الحكومة تؤيد الانسحاب علنا لكنها توقع على بقاء القوات سرا ، وان دوائر عراقية واشخاصا واحزابا يجرون اتصالات مع واشنطن لتمديد مدة بقاء تلك القوات في العراق ، ومن يطلع على سيل المقالات والتقارير المفبركة في الانترنيت ووسائل الاعلام يجد حملة عجيبة تجعل الانسان الغافل يعتقد انه أمام صفقة خيانية تشترك فيها الدولة بكل اطرافها لابقاء القوات الامريكية في العراق !! ومع تظاهر تلك المصادر بالجدية الا ان نقطة ضعفها واضحة ومفضوحة فهي غير قادرة على تقديم اي وثيقة تثبت ادعاءاتها ، لتتحول من وسيلة معرفة تحترم المتلقي وتلتزم الموضوعية الى وسيلة خداع واستهزاء بعقل الانسان ، لا يوجد في قضية الاتفاقة المذكورة اي مستحيل مادام احتمال التمديد واردا ضمن النص ولكن لماذا يجري عرضه وكأنه امر مؤكد يستلزم الادانة والتخوين ؟ علما بأن القضية كلها تتعلق بتقدير موقف تنجزه الجهات العسكرية على اساس معاييرها لتحدد قدرة القوات المسلحة العراقية على ادارة الملف الأمني الوطني بكفاءة أو عكس ذلك وفي كلا الحالين تبدو القضية غير سياسية ولا يمكن للساسة ان يتكلموا بشأنها الا بعد ان تفرغ الجهات العسكرية من تقديرها ، الغريب في الأمر ان هناك وسائل اعلام يمتلكها رجال نعرفهم تطلق ابواقها متباكية على استقلال العراق المهدد بسبب مؤامرة التمديد التي ستجري ولكن وراء الكواليس يركض اصحاب تلك الابواق بين المكاتب والدوائر السرية والعلنية ويقدمون مشاريع لتمديد بقاء القوات الامريكية في العراق ويعتقدون بأنها موضع ترحيب بعض دوائر البيت الابيض ، ويعتقدون انه سيكون باب رزق جديد ، هل تصدقون ؟ كم ستصمد الكرة الارضية امام هذا الطراز المذهل من التلون والنفاق ، من حق علماء الفلك ان يتوقعوا نهاية العالم سنة 2012 كان الله في عون الكرة الارضية كيف لا تسيخ باهلها وهي تنوء تحت هذا الحمل الثقيل من المنكر الاعلامي .
https://telegram.me/buratha