طالب عباس الظاهر
مَـن يعيد للعراق نقاء صباحاته، وإشراقة شمسه، وعذوبة مائه؟مَـن يعيد للعراق كركرات أطفاله، وفرح نسائه، وابتسامات شيوخه؟مَـن يعيد للعراق روحـه التي أنهكها الانتظار، وجسـده الذي مزقه القلق؟لقد استطال صبره عليكم، وحلمه بكم، وانتظاره لكم، علكم تروعوا قليلاً، وتثيبوا إلى رشدكم، فتقطعوا مسلسل الاستنزاف الرهيب لدمه، ودمعه، وعرقه، والطعن الأخوي المستتر، وتدعوا رؤوس العباد في سنابلها تحول دون قطاف، وتقلعوا عن عادة المتاجرة بالآهات الساخنة أو الباردة أو الدافئة، وحذلقة بيع الوعود الطازجة أو المجمدة أو التالفة (الإكسباير..!!) مما تعلمتم حديثاً، وتدربتم عليه في أفران السياسة، ومطابخ العولمة؛ فما زال العراق هو العراق وسيبقى، لا توقف جلده غلواء المحنة، أجل..ما زال شاسعاً كالأفق، ورحباً كالمدى، وفسيحاً كالسديم ، ما زال بسخائه المعهود، يهب، ويعفو، ويتجاوز كما الشجرة المثمرة، بل المثقلة بالخير..التي لا تزيد الراجمين إلا ثمراً، مهما تماديتم في الرجم، فاتحاً ذراعيه لاحتضان الجميع..يحنو، ويترفع عن الذاتية، ولا يجيد سوى مواصلة العطاء..والعطاء بلا حدود، إلا إنكم رغم ذلك ما زلتم تواصلون الطعن في قلبه الكبير، بنازعاتهم على إغراءات السلطة، وولائم الكراسي، ودسم المناصب، بحسرة الملك الضائع أو الموعود، وبعقوق لا يفهم سوى منطق الأخذ.. بلغة الاستحواذ الذي لا ولن يشبع وكما يقول المثل الشعبي (يركب السفينة ويفقأ عين الملاح..!!).نعم..ليس بإمكان أحد صنع المعجزة، وإعادة المياه إلى مجاريها، لأن الأمر قد يحتاج لعصا سحريةـ والحمد لله إنها ليست موجودة في هذا العصرـ مخافة أن يخطفها شطّار المهنة (الحرّيفون)، من ذوي الأيادي الخفيفة، والضمائر الثقيلة، الذين يسرقون الكحلة من العين، كما كانت تقول جدتي، لكن لم يخطر لي يوماً سؤالها بـ(كيف؟) ليهدوا بها العراق، وربما العالم، وقطعاً فلن يسلم درب التبانة، وبقية أجرام مجرتنا، والمجرات الأخرى..بل الكون برمته..!!فإرادة الشرّ تحطم كل شيء، وتأتي من خلال ذلك على نفسها، والخير ينمّي نفسه في محاولة إحياء الاخرين، ولكن (آه) من هذه (الولاكن) كم هي مؤلمة، مؤلم ما تجرّه خلفها من الصدمة في سحر الأحلام (الأثيرية)، واليقظة من الانسياب الدافق للخيالات المتلونة بألوان قوس قزح، والتعكير لسير الانثيال المريح للوعود (بالحرية والديمقراطية والأمان والانتعاش الاقتصادي والتقدم الصناعي التنك.. تنك..لـوجي..!!) الذي يجب أن تحذره اليابان، بعدما تخرج من محنتها النووية، وكافة الدول الصناعية، ولأنها خفيفة ـ أعني تلك الوعود ـ فهي تتطاول عمودياً دائماً بالتصريحات الطائرة، وليس مثلما يفعل الآخرون، لأن هنالك نقص في درايتهم..!! فيمتدون أفقياً و(يمددون على گـد إغطاهم) كما يقول المثل الشعبي الشائع عندنا، فيتخلفون حضارياً في عصر الفضاء..!! فنكون بتوجهاتنا أكثر قرباً من روح العصر، ويكونون اكثر عذابا بسبب (إغطاهم) وحر الصيف وقيضه ولهيبه، وانقطاع التيار الكهربائي المتواصل.لكن فجأة حصلت (المعجزة) طبعاً بمشيئة الله تعالى، وأجندة الأمريكان.. وتوسلات الإخوان، فهتفت قلوبنا بفرح : أخيراً جاء الفرح، وأخيراً جاء الـ.. ف.. ر.. ج..!! عذراً عن هذي الولادة المقطعية.حصل هذا مع سقوط صنم الدكتاتور في ساحة الفردوس و(لكن) سرعان ما نهضت أنصاباً ـ صغيرة تبدأ ثم تكبرـ فانتشرت فينا..!! وحصل هذا مع سقوط صنم البعث، و(لكن) فوجئنا بتسلق مفاهيمه المشوّهة كراسي مؤسساتنا ووزاراتنا، فوصلت كراسي أكابر مسؤولينا، وحصل هذا مع سقوط صنم المفاهيم الفاسدة، التي ترعرعت برعاية اللا نظام السابق، وتفشّت.. فأكلت بشراستها الأخضر واليابس، من بعد تحطيمها الناضج و(لكن) سرعان ما قامت أكثر شراسة، وبدل النوع صارت لدينا انواع، والواحد ـ والحمد لله ـ أصبح عشرة..!! أي حديقة عجائب مثيرة، بل وفريدة من نوعها..!! ولو استغلت سياحياً لأعطت أعلى الإيرادات عالمياً، ثم رأينا العجب العجاب، حينما راح الفأر يطارد القطة..وجرح الضحية يستجدي العطف من خنجر الجاني..!!.كلنا بلا استثناء عراقيون.. عراقيون.. عراقيون ، فكيف يفكر العراقي ـ إن لم يكن قد شَرَع فعلاً ـ بقتل العراق؟! ما الذي يجري في هذه البقعة من العالم؟ بل ما الذي يجري في العالم إتجاه هذه البقعة؟! الجميع يجدّ ويجتهد، يقتل ويقتل من اجل العراق والعراقيين، والإسلام والمسلمين، والحق والحقيقة، خدمة للإنسان والإنسانية التي ستقف طويلا باكية ـ طبعا ليس حزناً ولا ألماً، بل فرحاً ـ أمام هذا الذبح العراقي الخلاّق، وعلى الطريقة الإسلامية الحلال جداً ..!!ما عليكم سوى أن ترفعوا أصواتكم الجهورية، وتشنيج عضلات وجوهكم وأيديكم.. مع المراعاة بدقّة لقواعد اللعبة الخطابية، فضلاً عن مواهبكم الفذّة في الإقناع ؛ فالأبرياء هم الذين سيذبحون من الوريد الى الوريد، لزعزعة أركان السلطة وسقوطها، لأنها غير شرعية، وعودة السلطة الشرعية المبيّنة في سندات الملكية ـ الصرف ـ منذ أكثر من ألف عام وعام..!!، إذاً مَنْ يَقتُل مَنْ؟ بَل مَنْ يُضَحّي مِنْ أجلِ مَن؟!كفانا شعارات وتبريرات ومهاترات وتنطعات، و..و..و..!! فإنها متاجرة اثبتت خسارتها بحق الدين والوطن والإنسان، وبكل اللغات حتى الميتة وشبه الحيََة أيضاً.كفانا فقد ملأت خزعبلات الطاغية القزم، ومراجله (السازوكية) الخارقة رؤوسنا، بل..أوجعتها، ومع الأسف الشديد، فإنه لم يحسب حسابكم في رؤوسنا، فأوصلنا الى معدلات مخيفة من التخمة الشعاراتية، وأية زيادة ـ ثقوا ـ سوف تؤدي إلى تقيؤنا بوجوهكم، فاحذروا على أمزجتكم المترفة (البنصفوردية) مخافة أن تتعكر، وتكونوا مضطرّين لعدم مواصلة المشوار، مشوار تفضلكم على العراق وحكمه، والعودة إلى حنان منافيكم، ومرابع نضالاتكم في مدن الضباب أو ناطحات السحاب، وكما أبلّغنا احدهم مشكوراً، في افتتاحية جريدته ذات صباح (شبـوطي)، أعني شباطي بارد، وأنذرنا من عاقبة خسارتنا لجهودكم الخارقة في أعادة بناء الوطن بـ(حزب إنقاذ الإنقاذ) المتدلي من السماء بحبل متين من الرحمة الإلهية..!!وبهذه المناسبة العزيزة جداً تحضرني حكاية ذلك المسكين قارئ مقاييس الكهرباء الطريفة، حين طرق باب احد البيوت ليقرأ المقياس ويسلمهم الفاتورة؛ فردّ عليه صوت ناعم من الداخل (مينـو..!!) كان لببغاء مدرب، فصاح من فوره : أبو الكهرباء، ولكن وبعد انتظار طويل لم يفتح الباب، فأعاد الطرق متعجباً، ثانية وثالثة ورابعة، و.. و.. و..!!وفي كل مرّة يأتيه الجواب ناعماً وهادئاً، بعد الطرق مباشرة (ميـنو..!!) فيصرخ صائحاً: أبو الكهرباء.. أبو الكهرباء.. أبو الكهر.. با.. ء..!! إلا أن لا أحداً يفتح الباب.أخيراً يئس صاحبنا، فأقفل مهزوما، تلفّه الحيرة القاتلة.. وحينما عاد أهل البيت، وفيما هم يفتحون الباب للدخول، سمعوا الببغاء يصرخ من الداخل: أبو الكهرباء..!!.كفانا أيها السادة استغفالاً لأنفسنا وللآخرين..كفانا انغلاقاً، وإعجاباً بفسيفساء أطروحاتنا الشخصية، كفانا تعليقاً لأخطائنا على شماعة غيرنا، ونستثني دائماً أنفسنا، كأننا معصومون عن الخطأ، وإن لم نجد، فعلى شماعة الظروف المبيحة أذرعها لحمل كافة أنواع الأخطاء.. طاعة وبكل رحابة صدر..!! ولو كان لها لسان تنطق به لقالت: (إلك يا طويـــل اللسان..!!) ولكن مـن يصنع مـن؟! فالذي لا يقدر، فليتنحّى جانباً، ليفسح المجال لغيره، فما خلقت لنا الرياسة والمسؤولية، ولم ينزل بها من السماء صك بأسمائنا وعناويننا ، بل خلقنا لها، والزمن لا يحتمل المزيد من التأجيل، ليخلق قائداً للضرورة جديد، أو حزب (عبث) أوحد، فالفرصة ما زالت ملك إرادتنا، وقد لا تتكرر أبداً، فـ(الفرصة إذا فاتت تصبح قصّة) وربما قصة عنتر أيضاً كما يقولون..!! وقد آن الأوان، لأن نضع العراق، وليس أنفسنا..نصب أعيننا، أجل العراق وحده، لأنه يستحق فعلاً، ونتجرد من كل الألقاب والمسمّيات والانتماءات.. و.. و.. و..!! سوى عراقيتنا، ونتلفع بها.لنعيد للعراق نقاء صباحاته، واشراقة شمسه، وعذوبة مائه..لنعيد للعراق كركرات أطفاله، وفرح نسائه، وابتسامات شيوخه.. لنعيد للعراق روحه التي أنهكها الانتظار، وجسـده الذي مزّقه القلق.
https://telegram.me/buratha