حافظ آل بشارة
لكثرة الخطابات التي تهاجم الفساد ، ولكثرة الفاسدين في بلدنا ومنطقتنا العربية اتسعت دائرة المعرفة الاجتماعية بموضوع الفساد ، حضرت بالصدفة مجلسا لبعض المواطنين وهم يتداولون بينهم تقسيم الفساد السائد في البلد الى انواع لكي لايجري الخلط بينها ، تم الاتفاق على حصر الفساد في ثلاثة انواع الفساد السياسي والفساد المالي والفساد الاداري ولكل منها تعريفه ، انا اضفت نوعا رابعا سميته الفساد الاديولوجي ، وملخصه التناقض بين النظرية والسلوك وميل المصاب الى اعتناق منهجين متضادين في ازدواجية متواصلة ، وينتشر هذا النوع من الفساد في الدوائر الحزبية اكثر من الدوائر الحكومية ، ومن أشهر فقراته ، اولا : تمجيد الديمقراطية شعارا وممارسة الاستبداد سلوكا ، وقد يعقد المدير اجتماعات مطولة لأجل التشاور مع العاملين فيسود النقاش وتتعدد المقترحات ويخرج الاجتماع الاستشاري بقرار ما ولكن عند التنفيذ يفاجأ الجميع ان رأي المدير الذي اتخذه مسبقا هو الذي تم تنفيذه ولم تكن هناك اي قيمة لذلك الاجتماع العاصف والنقاش والجدل وهدر الوقت وهدر الشاي والسجائر والاعصاب ، اي استخدام اجتماعات القرار الجماعي للزينة فقط . ثانيا : يتظاهرون بتطوير قدرات العاملين التخصصية ورفع كفاءتهم فتنفق الدوائر الحزبية او الحكومية اموالا كبيرة على التدريب والتأهيل وقد تفرز الدورات قدرات جديدة ومواهب ولكن عمليا يتصرف المدير المصاب بالفساد الاديولوجي بطريقة معاكسة ، فيقف بالمرصاد لكل اصحاب الكفاءة والخبرة والتجربة وكلما برز شخص ناجح في المؤسسة وجه له ضربة تخرجه من دائرة القرار او العمل المثمر واخترع عددا من المبررات لاقصاءه ، فبدلا من ان تستثمر المؤسسة اصحاب الكفاءات فهي تخسرهم . ثالثا : غالبا ما يعلن المدراء الحزبيون او الحكوميون ايمانهم بالعمل الجماعي وتقسيم الادوار ومنح الصلاحيات للمفاصل الوسطى وهو شعار مؤسساتي جيد قد ينادي به البعض لانه قول جميل ، لكن عمليا تجد المدير ممسكا بكل الاعمال فهو مسؤول لجميع الاقسام ومتابع لجميع المواضيع وداخل في كل التفاصيل ويشكو من الارهاق والتعب متهما كل الذين حوله بالفشل والتهاون بعد ان قطع عنهم الصلاحيات الامكانيات التنفيذية ، يشعر بالرعب من فقدان موقعه منهمكا في البحث عن مؤامرات تستهدفه . هذا النوع من الفساد الذي هو ازدواجية اخلاقية يمكن ان يدرس على نطاق واسع ، ويمكن ملاحظة ان اغلب المدراء الذين يصابون به هم الذين وصلوا الى مناصبهم الحزبية او الحكومية بطريقة غير نزيهة ، بشهادة مزورة او محسوبية او بقرار مزاجي من قياداتهم ، فهم مهووسون بحب السلطة وليس حب الخدمة ويستخدمون ولاءاتهم لتحقيق مصالح ضيقة ، وقد يتحول خوفهم من فقدان الموقع من هاجس متناوب الى عقدة دائمية ، ولا شك ان اجواء كهذه لا يمكن ان يتحقق في ظلها انتاج او ابداع او تطور بل يتحقق التوقف والانسداد ، احذروا النوع الرابع فهو المسؤول عن حالات الشلل الحزبي والحكومي في العراق والامة العربية .
https://telegram.me/buratha