هشام حيدر
سبق ان تطرقنا لقضية الجهاد او حمل السلاح عند الشيعة الامامية في زمن الغيبة وذلك في مقال سابق بعنوان ( اين المرجعية ؟ اين السيد السيستاني؟)....على الرابط :http://www.kitabat.info/subject.php?id=5075
وكنت قد وعدت في نهاية المقال بالاجابة على بعض التساؤلات التي اوردتها مما اعتاد البعض على ان يشكلوا او يحتجوا بها في مثل هذا المقام, فضلا عما وصلني عبر البريد الالكتروني من رسائل او ما طرحه البعض تعقيبا على المقال عند نشره في بعض المنتديات.كان محور المقال السابق يدور حول بعض ماورد من روايات عن طريق ائمة اهل البيت عليهم السلام حول مسألة الجهاد او الخروج ضد الطواغيت في زمن الغيبة وكان معظمها ما اورده الحر العاملي اعلى الله مقامه في كتابه وسائل الشيعة وقد لخصناها على الرابط :http://www.kitabat.info/pic/kaab34.jpg
وقبل الخوض في فتاوى فقهاء الامامية او سيرتهم في هذا الباب وردا -في الاثناء- على من احتج بنهضة الامام الحسين عليه السلام او من حاول الطعن بتلك الروايات وردها ,فقد رايت ان اخصص هذا المقال للاستشهاد بسيرة الائمة عليهم السلام وعلاقتهم بالحكومات المتعاقبة منذ وفاة النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم حتى وقوع الغيبة الكبرى .** ** **احتج احدهم في رسالة بعث بها عبر البريد الالكتروني بما كتبه الشيخ الاصفي في هذه الصفحة من موقعه :http://alasefi.net/asefi/index.php(تحت عنوان ثلاث نقاط في ولاية الفقيه).
وبعد مراجعة ماكتب الشيخ الاصفي وجدته يحتج بروايات عامة حول الموضوع والمعلوم ان المطلق يجري على اطلاقه مالم يرد عليه مايقيده . وحيث ان الروايات القليلة التي احتج بها الشيخ روايات قد وردت على وجه العموم فانه لامجال للاحتجاج بها على المخصص والمقيد من الروايات التي جمع جانبا منها العلامة الحلي "قد" كما في الرابط اعلاه وقد كفانا الشيخ المؤونة فلم يتطرق اليها في بحثه هذا اصلا وان تطرق لها في موضع اخر !(سيخصص مقال مستقل ان شاء الله لبحث الشيخ الاصفي حول الموضوع).
وحيث ان موضوعنا في هذا المقال هو البحث في سيرة ونهج الائمة عليهم السلام ومدى انطباق ذلك النهج وتلك السيرة مع مضمون هذه الروايات فاننا نؤجل الخوض فيها الى مقال لاحق ان شاء الله تعالى.الشيخ الاصفي بدوره اوجد بابا في بحثه هذا اسماه (وجوب جهاد الطغاة من سيرة اهل البيت (ع)) وهو بذلك يخالف نهج العلامة الحلي في الوسائل(وغيره من فقهاء الامامية) في المنع من الخروج على حكام الجور .....فهل كان نهج الائمة عليهم السلام متناقضا ليحتج به الفريقين؟كل ماوجده الشيخ الاصفي في (وجوب جهاد الطغاة من سيرة اهل البيت ع ) هو مايلي(وأوضح شيء في ذلك سيرة الحسين 7 تجاه طاغوت زمانه، حيث خرج 7 وقاتله بنفسه واولاده واهل بيته والصفوة من اصحابه رضوان الله تعالى عليهم.وخطب في كربلاء في الناس وفي اصحابه، فقال 7: (ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا ارى الموت الا سعادة، والحياة مع الظالمين الا برماً)[11].انتهى !!!وهذا يعني ان الائمة عليهم السلام لم يعاصروا طاغية الا يزيد ابن معاوية لعنه الله ,وان كل اولئك الحكام كانوا حكاما شرعيين لايجوز الخروج عليهم ومجاهدتهم بما فيهم معاوية ومروان وغيرهم من طواغيت ال امية وال العباس ....وهذه نتيجة خطيرة جدا!وحتى لو اقتصرنا على (سيرة الحسين)عليه السلام كمثال احتج به الشيخ الاصفي (تجاه طاغوت زمانه)...فهل ان هذا يعني شرعية حكم معاوية ونزع صفة الطاغوتية عنه بما ان الامام الحسين ع لم يعلن الثورة ضده؟ والعنوان يشير الى (وجوب جهاد الطغاة من سيرة اهل البيت (ع))!!اما اذا تمعنا في سيرة الائمة من اهل البيت ع بدءا من امير المؤمنين عليه السلام , افترانا نختلف في نظر الامام امير المؤمنين الى خلافة من وصفهم بما وصفهم في خطبته الشقشقية ؟ام ان خطبته في النهروان كانت تقية كما يزعم البعض بتبرير هذه الروايات على انها انما صدرت تقية ؟ فمم كان يتقي امير المؤمنين ع وهو الخليفة المنتصر في المعركة ؟ ورد في الرواية (عن زر بن حبيش قال : خطب علي ( عليه السلام ) بالنهروان ـ إلى أن قام ـ فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين حدثنا عن الفتن ، فقال : إن الفتنة إذا أقبلت شبهت ، ـ ثم ذكر الفتن بعده إلى أن قال ـ فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما نصنع في ذلك الزمان ؟ قال : انظروا أهل بيت نبيكم فإن لبدوا فالبدوا ، وإن استصرخوكم فانصروهم تؤجروا ، ولاتستبقوهم فتصرعكم البلية ، ثم ذكر حصول الفرج بخروج صاحب الامر ( عليه السلام ).وقال ع كما في النهج (في خطبة له : الزموا الارض ، واصبروا على البلاء ، ولا تحركوا بأيديكم وسيوفكم في هوى السنتكم ، ولا تستعجلوا بما لم يعجل الله لكم ، فإنه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حق ربه وحق رسوله واهل بيته مات شهيدا ، ووقع اجره على الله ، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله ، وقامت النية مقام اصلاته بسيفه ، فإنّ لكل شيء مدة وأجلاً . .)!ثم هل ان الامام الحسن عليه السلام غير نظرته تجاه معاوية فصالحه وتنازل له عن الخلافة ؟وهل غير الامام السجاد عليه السلام نظرته لحكم يزيد ومروان ؟وهل افتى الامام الباقر عليه السلام بشرعية خلافة ال مروان ؟وهل افتى الامام الصادق عليه السلام بشرعية خلافة ال العباس ؟ وماكان رده على كتاب ابي مسلم الخراساني الذي يخبره بوضع مائة الف سيف تحت امرته ويطالبه بقيادتهم للانقضاض على خلافة ال امية المحتضرة ؟ ام كان الامام يتقي ايضا وهو يقول لفضل حين ساله (فما العلامة فيما بيننا وبينك جعلت فداك ؟ قال : لا تبرح الارض يا فضل حتّى يخرج السفياني فاذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا ـ يقولها ثلاثا ـ وهو من المحتوم . (راجع الروايات السابقة على الرابط اعلاه).ام انه لم يطلع على فساد وجور ال امية ثم ال العباس وهو الذي افطر اخر رمضان اتقاء لشر المنصور الدوانيقي الذي اعلنه يوم عيد؟!
ام ان الائمة ع لم يطلعوا على مافعل الطغاة بشيعتهم وبالطالبيين كزيد الشهيد والحسين صاحب فخ وغيرهم ممن احصاهم الاصفهاني في مقاتل الطالبيين من تنكيل وتقتيل لم يجر على اسرة على مر التاريخ ؟!ولماذا صبر الامام الكاظم عليه السلام على كل مافعله به هارون حتى وصل به الامر الى تمني الموت ؟؟!الم يكن بمقدور الامام الرضا عليه السلام ان يعتمد على انصاره في مرو وخراسان مع ضعف المامون وحروبه مع اخيه الامين فيعلن الثورة ضده لاسيما مع امكانية وسهولة حدوث ذلك في مناسبات خاصة كيوم خروجه عليه السلام لصلاة العيد او لصلاة الاستسقاء؟أم إن الامام ع كان يرى شرعية خلافة المامون وقبل بولاية عهده ياترى؟؟!!وذات الاسئلة والاشكالات تثار حول علاقة وموقف كل من الامام الجواد والامام الهادي والامام العسكري صلوات الله عليهم اجمعين بالنسبة الى طواغيت ازمنتهم !!والامر ذاته كذلك ينطبق على امام العصر عجل الله فرجه الشريف .......وكل الطواغيت الذين تعاقبوا على الحكم وكل الظلم والجور وانتهاك الحرمات وسفك الدماء وتحريف الدين وغير ذلك مما راه ويراه يوميا كما رأوه ابائه واجداده الطاهرين صلوات ربي وسلامه عليهم اجمعين !** ** **نخلص من كل ماتقدم ان نهج وسيرة الائمة عليهم السلام كان هو ذات النهج الذي اوصوا به شيعتهم ولم يختلف عنه الا قيام الامام الحسين عليه السلام بامر الهي مخصوص علم به الانبياء قبل ولادة الامام الحسين بمئات السنين, وان وصف البعض نهج المرجعية على مر العصور بالسكوت او القعود او الصمت لنهجها هذا فان الاولى ان يطلق تلك الاوصاف على الائمة ذاتهم عليهم السلام مع ان قعودهم او قيامهم لايغير او يطعن في نهجهم او امامتهم فقد ورد عن المصطفى صلى الله عليه واله مثلا قوله (الحسن والحسين امامان قاما او قعدا) الا اللهم ان فهم البعض معنى القيام والقعود الجسماني المتعارف !!ولكن ,حتى صمت الائمة - في فترات الصمت - لم يكن صمتا خالصا ,وقد قيل انه لاينسب لساكت قول الا ان كانت هناك قرينة تدل على غير ذلك ,والامر ذاته طبعا ينطبق على صمت المرجعية ,فحين يصمت الامام او المرجع فلايفعل كما يفعل فقهاء البلاط ووعاظ السلاطين بالحضور في مجلس الطاغية وذكره والدعاء له بعد الصلاة او تهنئته في الاعياد والمناسبات او تعزيته مثلا انما هو صمت يسحب الشرعية عن حكم ذاك الطاغية ويعلن بطلانه ويضعه في زمرة الطواغيت وكم تمنى الظلمة على مر التاريخ حضور الائمة او المراجع مجالسهم او ذكرهم والدعاء لهم بعد الاذان او الصلاة ....ولكن هيهات !وحتى في وصيتهم عليهم السلام لشيعتهم كان معنى الصمت الايجابي هذا حاضرا كما في وصية الامام الصادق ع اذ يوصي شيعته بقوله (كونوا دعاة لنا صامتين) !ولم يذكر التاريخ لنا رواية او حادثة عن سعي أي من الائمة للقيام بعمل او تنظيم سري بقصد الاطاحة بحكم أي طاغوت من الطواغيت او اغتياله هو او أي من اركان نظامه حتى ولو كان ذلك متيسرا سهل المنال كما في قصة مسلم بن عقيل ع مع ابن زياد في دار هانىء!كما لم يؤثر عنهم عليهم السلام تحريض شيعتهم على أي حاكم من الحكام بمعنى حمل السلاح او حتى الاعداد والتحضير لذلك !** ** **هذه سيرة ائمة اهل البيت عليهم السلام , وتلك هي الروايات التي وردت عنهم باختلاف عصورهم للفترة حتى ظهور السفياني . فمن اراد السير على نهجهم فهذا هو نهجهم, ومن اراد المخالفة فما اكثر من خالف نهجهم صراحة او ضمنا , من الخوارج الذين عصوا امير المؤمنين ع في اكثر من مناسبة وظنوا ان رايهم ارجح من راي الامام حتى وصل بهم الامر ان يكفروه , الى من دخل على الامام الحسن عليهم منكرا قبوله الصلح مع معاوية قائلا (السلام عليك يامذل المؤمنين), وليس انتهاء بالزيدية الذين قالوا ان الامام من قام بالسيف وان ليس بيننا وبين جعفر خلاف الا انه لايرى الجهاد!!وهذا هو نهج وسيرة المرجعية الشيعية على مر التاريخ...... انتظارا لامرهم واقتداء بهم . والباب مفتوح لمن يقوى عل اثبات خلاف ذلك النهج وتلك السيرة !!!** ** **اما المغزى من هذه المواقف وهذا النهج , وماحقيقة مواقف الائمة عليهم السلام والحال الذي ارادوا ان يكون شيعتهم عليه فامره مؤجل الى مقال لاحق ان شاء الله تعالى .
هشام حيدرالناصرية
https://telegram.me/buratha