حافظ آل بشارة
لماذا يتلهف الجميع للتحدث عن انسحاب القوات الاجنبية من العراق ولا يميلون الى التحدث عن اعادة بناء القوات المسلحة للبلد ؟ اي الملفين أهم ؟ السبب ان ملف القوات الاجنبية يوفر فرصة للمزايدات والرياء السياسي ورفع شعارات التحرير والمتاجرة بها ، اما مشروع تأسيس قوات مسلحة وطنية قوية فهو مشروع لا يفضل احد الخوض فيه لانه حافل بالمتاعب ولا يحقق دعاية لاي طرف ويحتاج الى عمل دؤوب وصامت وخلف الكواليس ، القضية التي تحقق المزايدات والدعاية وحدها تحظى بالاهتمام ، ملف القوات المسلحة يبدو شائكا ومملا ، تبدأ المشكلة من تعيين الوزراء الامنيين فتتحول الى أزمة سياسية ليس لها حل وتصلح قضية كهذه لكشف مدى فقدان الثقة بين الاطراف السياسية ، اذا لم تفلح القوى الوطنية في اختيار الوزراء الامنيين فكيف تفلح في انجاز الفقرات الأخرى الاكثر تعقيدا في اعادة تأهيل القوات المسلحة لتحل محل القوات الاجنبية . الخطوة الاولى والاكثر اهمية اعادة هيكلة الوزارات المختصة لتكون مهمتها تنفيذ برنامج دفاعي وليس قوة تحشد وهجوم في الداخل والخارج كما كانت في عهد النظام السابق ، يفترض رسم اطار ثقافي للجندي او الشرطي او رجل الأمن وتعبئتة بما يحقق الاستعداد الدائم للعطاء وتحمل المسؤولية ومواجهة الاخطار بشجاعة وروح معنوية عالية ، العقيدة الاسلامية وثوابتها من اعظم المدارس في اعداد الجندي الشجاع ورفده بروح الايثار والفداء ، لابد للجهات المعنية من تحديد الهوية الثقافية للقوات المسلحة ، بالشكل الذي يجعلها فوق الميول والاتجاهات ، ويجب ان يرافق الاعداد الثقافي الاعداد القتالي والتسليح الذي قد يتحول الى ملف خلاف آخر ، فان تكوين منظومة تسليح حديثة يقتضي انجاز اتفاقات لها بعد سياسي وآخر تجاري ، فالبلدان المصنعة للسلاح تتولى تسليح الدول الصديقة وفق رؤيتها الدفاعية كما تفكر بما يترتب على تلك الصفقات من ارباح طويلة المدى لصالح شركاتها ، لكن في الوقت نفسه تبقى للبلد المستفيد مساحة واسعة من الخيارات والبدائل ، وهنا تلعب الخلافات السياسية دورها في اضعاف قدرة الاتفاق على منظومة تسليح رصينة وقوية . كما ان وجود مؤسسة الاستخبارات امر في غاية الأهمية وغايتها منع الجريمة قبل وقوعها ، فتفوق القوات المسلحة لا يقاس بمدى قدرتها على رد العدوان بل بقدرتها على اجهاض العدوان قبل وقوعه ، وهذا يعني ان الاستخبارات نصف المعركة وهي مؤسسة صعبة البناء تلزمها جهود نوعية متواصلة ، ولا يمكن استكمال تأهيل العنصر البشري الا بتطهير القوات المسلحة من عناصر الاختراق الامني او الفساد المالي والاداري وابعادها عن الصراعات السياسية . في الجيوش الحديثة يجري التركيز على البناء النوعي بشريا وتسليحيا وليس العدد ، وخير معبر عن هذه القاعدة قوله تعالى : (ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين) فليس القوات المسلحة فرصة عمل متاحة لمن لا عمل له ولا هي مكان للبطالة المقنعة او المحسوبيات . هذا الملف مفتوح وينتظر مبادرة وطنية .
https://telegram.me/buratha