السيد حسين محمد هادي الصدر
النرجسية العجيبة " العنتريات التي ما قتلت ذُبابة " عادت اليوم لتتشّكل بصيغ أخرى ، تملأ القلوب بالشجن ، وتترك في النفس المواجع ، وتثير موجات من التعجب والاستغراب ، حيث أعتدنا على أن يُمطرنا الكثير من ( المسؤولين ) بوابلٍ من انجازاتهم وإبداعاتهم ...!!!ناهيك عن وعودهم المعسولة ، وتقديراتهم غير المقبولة !!فيما الشعب العراقي يئن من سوء الخدمات ، والاهتزازات الامنية ، والبطالة، وكثرة التراشق بين السياسيين ، وتوالي دورات الفساد، والنهب، في مختلف المرافق والقطاعات، دون خوف أو وجل ، وتستمر المطالبات الشعبية بالإصلاح السياسي .أن ألغاء مجلس النواب للفقرة ( ب ) من المادة ( 136 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، يتيح لهيئة النزاهة ، ملاحقة الموظفين الكبار في مختلف الوزارات دون الحصول على موافقة الوزراء ، وهو أمرٌ لا محيص عنه ،ان اريد للهيئة ان تمارس أعمالها بفاعلية ، ولكننا شهدنا - محاولة مؤسفة - للألتفاف على هذا الانجاز ،وإرجاع الأمر إلى ما كان عليه ،مما أضطر رئاسة البرلمان،للتصريح بان تلك المطالبة التنفيذية لا تحظى بسند دستوري .لقد كان من الجميل ان تتلقى السلطة التنفيذية قرار ممثلي الشعب بألغاء تلك المادة بالقبول والتأييد ،لتُشعر المفسدين أنهم أصبحوا بين مطرقة القانون وسندان الملاحقة القانونية من قبل هيئة النزاهة ،وفي هذا من عناصر الردع ما فيه .ومما يثير الأشمئزاز والقرف ، نشر الغسيل العفن ،ومن قبل العديد من النواب والسياسيين ،والتأكيد على أن ملفات الفساد ،يجري التستر عليها بين مختلف الكتل السياسية ، عبر ترتيب الصفقات ، لتكون النتيجة النهائية اعاقة اتخاذ الاجراء المناسب بحق المفسدين والضالعين في ركابهم .إن ما تّم الاعلان عنه ، من أرقام ووقائع ، تتعلق بالفساد المالي والإداري في أجهزة الدولة ومؤسساتها ، جعل الجماهير مسلوبة الثقة بكل ما يُبرم من عقود، وكل ما يوّقع من اتفاقات ،بين تلك الأجهزة وبين الأطراف الأخرى ،دولاً كانت أم شركات ، محلية كانت أم أجنبية .وكيف تطمح الجهات الرسمية الى كسب ثقة المواطن وهو يرى ان مولدات الكهرباء تتحول بفعل المتلاعبين المفسدين الى لُعب أطفال ؟والسؤال الآن : كيف عولجت هذه الفضيحة ؟وما هي الخطوات العملية التي تقود المواطن الى تغيير قناعاته، وتقليص شكوكه في مجمل ما يجري هنا وهناك ؟وكم هو ملفتٌ للنظر ، ان تسمع بمن يريد ان يقطع أصبعه البنفسجي ، أو يعلو هتاف النادمين في الشارع ،ويكون ثمة رنينٌ قوي لهذا الهتاف ،في عموم أرجاء الوطن الحبيب ...!!!على مَ ندموا ؟ولماذا يندمون ؟وكيف نقرأ الندم على مجرد المشاركة في الأنتخابات التي جرت في 7 / 3 / 2010 ؟ انها مؤشرات ودلائل على أهتزاز الثقة بالعملية السياسية برمتها .وأنها مؤثرات لأفلاس العديد من السياسيين المحترفين، وأنها مؤشرات خطيرة قد تبعد الملايين عن المشاركة في أية أنتخابات قادمة ..!!ان السياسيين حين يخسرون ثقة الشعب، يخسرون كل شيء، وعليهم أن يعدوا الجواب أمام أسئلة التاريخ والأجيال القادمة .لماذا أوصلوا البلد الى هذه المآزق الخطيرة والمنعطفات الحرجة ؟ان الكتلة السياسية الواحدة لا تحظى بموقف موّحد ، وتتناقض تصريحات ومواقف أعضائها ، فما بالك بالكتل السياسية كلها ؟والسؤال الآن :ما هو سرّ الثغرات في جدار العملية السياسية ؟أهي اختلاف مصالح الأحزاب والكتل السياسية ؟أم هي تأثيرات الأجندات الخارجية على الفعاليات السياسية العراقية ؟أم هي الأمراض الأخلاقية والنفسية التي جعلت المحترفين السياسيين ، ينسون الوطن والمواطنين ومصالح العراق العليا ، وينشغلون بكل ما يكرّس ذواتهم ومصالحهم على حساب الوطن والشعب ؟ وأياً كانت الأسباب ، فانها لا بُدّ ان تختفي ،والى الأبد، لتبرز ثقافة الخدمة ، للوطن والمواطن ، أساساً ومنطلقاً ،في كل عمليات التعاطي للشأن السياسي وحينها ستظهر معادلات جديدة ،يمكن لنا ان نلمح معها شيئاً من ايثار الصالح العام ويمكن ان يملك القلوب نفرٌ ينكرون ذواتهم من أجل شعبهم ووطنهم .لقد استمعتُ الى احدهم ، وهو يرعد ويزبد ، ويتهم المعترضين على ترشيحه لمنصب معيّن بانهم اما ان يكونوا بعثيين ، وأما ان لهم مواقف سلبية من فلان..!!! وهذه الصيغة من الكلام تثير الاشفاق ، ذلك أنه يعتبر نفسه ( معصوماً ) لا يرقى اليه شك على الاطلاق ، حيث لم يحتمل ان يكون الكلام فيه، أو في انتقاء الحاجة الى ذلك المنصب أصلاً والسؤال الان :هل ان اخوانك ومن ضمك وأياهم تحالف واحد من البعثيين ؟أم أنهم خصوم لفلان ؟وأغرب من ذلك ، كان يرعد ويزبد ويؤكد قبل ذلك انه لم يكن راغباً في هذا المنصب وانما فرض عليه فرضاً..!!!هذا النموذج لوحده ، يكفي لأنتزاع الصورة الحقيقية عن العوالم التي يعيشها بعض السياسيين العراقيين اليوم .انهم يتحدثون وكأن المشكلة الكبرى في العراق ، هي مشكلة هذا المنصب المجّرد عن كل الصلاحيات والذي لا بُدَّ ان يسند اليهم دون سواهم ...!!!وربما يصعّدون اللهجة الى درجة التهديد بان ابعادهم عن هذا المنصب ، سيدمّر تحالفهم ، وسيفجّر العملية السياسية برمتها ..!!ولا ندري كيف يستسيغ سياسيّ يعيش في الألفية الثالثة،ان يهدد (بالتدمير) و (التفجير) في أمرٍ ، استطاع حتى الأطفال تشخيص مواطن الخلل فيه ؟ولا ندري هل نعزي العراق بوصول النرجسية عند بعض أبنائه الى هذا الحد أم نهنؤه لأن الكثرة الكاثرة من أبنائه رفضت ، وبكل صلابة ، ان تقبل الحسابات المغموسة بالذاتية والنرجسية ؟ولم يبق للمسؤول النرجسي الاّ أن يتمثل بقول الأحوص :
ما من مصيبةِ نكبةٍ أُرمى بها الاّ تُشرّفني وترفعُ شأني وأذا سألتَ عن الكرام وجدتَني كالشمس لا تخفى بكلّ مكانِ
ولن يكون حصادُ النرجسية الا الندم والخيبة حســـين الصـــدر
https://telegram.me/buratha