حافظ آل بشارة
مازال الجمهور يدعو الى الشفافية واطلاع الرأي العام على المعلومات التي تخص القضايا الخطيرة كأسرار الفساد والارهاب وحالات الفشل والتوقف واسبابها وعدم تحويلها الى ملفات سرية ، لكن مرت على العراق هذه الايام موجة عاتية من الشفافية المعلوماتية وليتها لم تمر فقد تركت الحليم فيهم حيرانا ، فقد تجاهلوا الملفات الخطيرة فبقيت كما هي مبهمة مجهولة التفاصيل وذهبوا الى نوع جديد من الشفافية التي تفضح حالات التناحر بين الشركاء ، هناك فرق كبير بين الشفافية وبين نشر الغسيل فالصراع الوحشي على السلطة جعل جميع الملفات قابلة للتوظيف ، المشكلة في طريقة تفكير البعض اذ يتصور انه لن يحقق اهدافه الا بتسقيط الآخر وتشويه سمعته مع ان الآخر مجرد منافس وليس عدوا ، بل يمكن ان يكون شريكا سياسيا في المستقبل ، كيف يمكن لمن يسقط منافسيه اليوم ان يعود اليهم غدا ويتخذهم شركاء وماذا سيقول للرأي العام ؟ قبل ايام فتح مجلس النواب ملفات مهمة كتهريب السجناء في البصرة ومناقشة حالات فساد مالي ، رافقها من خارج المجلس اتهام اشخاص واحزاب ودوائر ، اختفت القواعد المتبعة في توجيه التهم ، عاصفة من التصريحات المتنوعة يختلط فيها البهتان والاختلاق والانتقائية ، ومع وجود تصريحات أخرى مثال في الصدق والمهنية الا ان الرديء يأكل الجيد فتحصل لطخة من المضوعات الخطيرة ، هناك من سقطوا تحت الارجل فأصبحوا فريسة لقنوات الاوباش ومزايداتها الرخيصة الممجوجة ، ضحايا يحق لهم مقاضاة الدولة والاحزاب والاعلام والحصول على تعويضات مما اصابهم من اهانات ، ليت المسلمين يتعلمون من اهل الكتاب في بلدانهم اصول التعامل مع المنافس السياسي وعدم تحويله الى خصم بلا خط رجعة وبكل هذه القسوة ، اؤلئك اكثر نبلا وحياء في صراعهم السياسي ، امتد نشر الغسيل الى النخبة ، لم تعد هناك حرمة ولا سرية للقضايا الخاصة وما يتعلق منها بالامن الوطني او الخلافات الداخلية في البيت العراقي ، النقاشات التي يفترض ان تجري وراء الكواليس لحل الخلافات اصبحت تنطلق من المنابر الاعلامية ، شفافية آخر زمن ، ثبت ان التناحر الاعلامي بين الشركاء في العملية السياسية يترك آثارا مدمرة على الرأي العام ويؤدي الى فقدان الثقة بالعملية السياسية والقوى الوطنية الظالمة والمظلومة ، حسابات خاطئة تقف وراء المعارك الاعلامية ، يعتقد البعض انه بهذا الاسلوب يقوم بتسويق نفسه وتسقيط الآخر ، وهذا تصور ساذج يدل على جهل متراكم بالمحيط الشعبي وكيف يفكر ، اتضح ان اي طرف سياسي يشن حملة على طرف آخر فالسقوط يصيب الطرفين ويصدق عليهم قول امير المؤمنين (ع) (كطاعن نفسه ليقتل ردفه ) لأن الناس يضعون القوى الحاكمة في البلد في سلة واحدة ويعدونهم شركاء ومسؤولين بالتساوي عما يجري ، لذا من الافضل ترك هذه الشفافية المخجلة والعودة الى سياسة الكتمان لحفظ الحرمات وصيانة الاسرار .
https://telegram.me/buratha