كريم الوائلي
عقيدة الاصلاح والتغيير التي تبناها تيار شهيد المحراب لم تكن وليدة مرحلة بعينها او حتى عصر بعينه ، بل ، ان جوهر ما يتضمنه التيار من رؤى هو بالتحديد العدالة والتغيير الديمقراطي ، وهو اول تنظيم اسلامي سياسي يطرح في ادبياته السياسية وبرامجه مصطلح الديمقراطية ومفهومه لها في النظرية والتطبيق سواء كان في الحكم او في التنظيم السياسي ، ومنذ تأسيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي لم تطرح في ادبياته اي مفهوم دارج للديمقراطية حيث ربط بين العدالة وبين مفهوم الديمقراطية ربطا جدليا يرتكن الى مراحل التحول نحو اقرار مبدء العدالة وفق الرؤية الاسلامية و ذلك ادراكا منه لتلازم مبدئي العدالة والديمقراطي ، اذ لا يمكننا ان نتصور طريقا يفضي الى العدالة من غير ديمقراطية وعلى ذلك نجد ان سماحة السيد عمار الحكيم كثير ما يربط موضوعة التغيير بموضوعة الديمقراطية في محاظراته ومداخلاته وهذا هو جوهر معمارية التغيير التي تبناها المجلس الاعلى الاسلامي العراقي كتوليفة منسجمة مع الحالة العراقية وتبعا لذلك لم نلحظ اي مفهوم مقتبس او مستعار للديمقراطية في ادبيات المجلس الاعلى على غرار ما كان يوصف عند الآخر بمبدء ((الديمقراطية المركزية )) او ((الاشتراكية الديمقراطية)) او غيرها من المبادئ وعلى ذلك فأن المجلس الاعلى الاسلامي العراقي لم يركب الموجة الديمقراطية التي تسود حاليا في البلدان العربية كما نقرء في المواقع الالكترونية للثلة المتبقية من منظري العقائد النمطية التي فقدت صلاحيتها على النطاقين المحلي والعالمي . ويعد المجلس الاعلى الاسلامي العراقي اول تنظيم اسلامي عراقي ضم كل المكونات التي يتشكل منها الشعب العراقي دون تمييز والمتمعن في تنظيمات المجلس الاعلى يبهرة ذلك المشهد الزاهي الاممي لكل اطياف المجتمع العراقي ، كما ان المجلس الاعلى الاسلامي العراقي هو او تنظيم اسلامي عرف حتى الان يطرح مفهوم التآخي والتعاون بين شعوب الارض بصرف النظر عن الدين او العرق ( راجع البيان الختامي للمؤتمر الدوري الثاني للدورة التاسعة - دورة شهيد المحراب - للهيئة العامة للمجلس الاعلى الاسلامي العراقي ) وذلك امتثالا لجوهر الرسالة الاسلامي ذات المضمون الانساني ، وعلى ذلك نجد ان الاطار الانساني بتوصيفاته الواردة في برامج المجلس الاعلى جعل من نظريته في التحول الديمقراطي وصفة قابلة للتطبيق في بلدان المنطقة ولا سيما العربية والاسلامية منها كون ان المنظومات الثقافية لشعوب هذه الدول متناظرة الى حد بعيد فلا غرو ان يطلق سماحة السيد عمار الحكيم رؤيته الاستراتيجية للتغير الديمقراطي وهي رؤية معمارية للتغيير الجذري في الدول العربية التي تشهد تحولا سريعا نحو تبني النظام الديمقراطي .ومن هذا الاستهلال نلتمس مغزى طروحات سماحة السيد عمار الحكيم ازاء ما يجري في البلدان العربية اليوم على الرغم من ان الجماهير العربية قد استيقضت مرعوبة من واقعها المرير وكأن المهماز العراقي قد دق حربته في المركز العصبي لمنطقة اللاشعور في الذهنية الجمعية للشعوب العربية فوثبت الملايين الى الساحة بحراك شبابي متسارع من غير تنظير او برامج او اديولوجيات او حتى احزاب ولا سيما التنظيمات التي مضى على حضورها عقود من الزمن وصاحبت الباع الطويل في تنظيم الجماهير وحشدها وتوجيهها وقد اتى اعصار التغيير بمفاهيم ورؤى وآليات لم تكن دارجة في الثورات العربية السابقة وعلى ذلك فقد غابت الكاريزمات النمطية والرمزية واختفت القيادات الكلاسيكية التي تمتعت بالدربة الكافية على ركوب موجات الغضب الشعبي التي تظهر بين فترة واخرى وتوجيهه نحو مصالحها الخاصة التي تضمن بقاءها في السلطة ، فهي اذن ثورة على منظومات الحكم وارادة منظمة تستبطن الحاجة الجامحة لكل ما حرمت منها شعوب المنطقة وانقلاب على كل ما هو قائم من انماط الحكم وادواتها من سلطات واحزاب واديولوجيات وانساق بما في ذلك الاحزاب التي تعمل بالساحة علنا وبرضا السلطات الحاكمة وهي - اجمالا - نهضة تقود نحو تحول حتمي ومصيري من مرحلة تاريخية الى اخرى ، ومن هذه يتضح حقيقة ما يجري بوضوح الى درجة يكفي معها قراءت افق المستقبل الذي يوحي بظهور صورة جديدة للمشهد العربي لا عهد لنا بها في السابق . اطلق السيد عمار الحكيم رؤيته الاستراتيجية للتغيير الديمقراطي في الدول العربية على اساس التجربة العراقية المعقدة التي حصلت بعد التغيير السياسي عام 2003 وقيام النظام الديمقراطي الجديد في العراق حيث يعتبر المجلس الاعلى الاسلامي العراقي من مهندسي تلك التجربة ولم يكن السيد عمار الحكيم بعيدا عن معتركاتها وما اكتنفها من تعقيدات كادت ان تدفع بالعراق الى شفى حرب اهلية ضروس . ولان التجربة العراقي في التغيير الديمقراطي كانت مريرة ومعقدة ومحفوفة بالتحديات فهي ايضا غنية وثرية بالتجريب والطرائق المتعددة التي افضت في النتيجة الى نجاح التجربة وعلى ذلك فأن السيد عمار الحكيم قد خاض مع عزيز العراق (رض) وقبلهما اية الله العظمى السيد شهيد المحراب محمد باقر الحكيم (رض) غمار التجربة فوجد سماحته ان الحوار ، والحوار وحده ، هر الارضية الصلدة التي تتحلل عليها كل العقد الشائكة وتذوب فيها كل جلاميد العنت التاريخي الذي يشكل ورما خبيثا وموروثا في المنظومتين السياسية والثقافية التي تراكمت بفعل انظمة الحكم الاستبدادية المتعاقبة منذ قرون طوال ، فالحوار كان محور مبادرة السيد عمار الحكيم ومن خلاله ترتسم خريطة التحول الديمقراطي بالاتفاق والتوافق على التوازن بين حاجة الجماهير للتغيير وبين حاجة البلاد للامن الذي يحفظ اسس ومرتكزات الدول القائمة لتكون اساس البنية التحتية لما بعد التغيير كما ان الحوار الهادف يفضي الى احترام التعددية والخصوصية في اطار الوحدة الوطنية ووحدة البلاد والمصير وترسيخ السلم الاهلي بالركون الى القيم العربية والاسلامية والانسانية . ويكفل الحوار بين السلطة الحاكمة والجماهير الثائرة الاقلال من نزف الدماء وتبدد الثروات والاظرار الاقتصادية الناجمة عن استخدام السلطة للعنف ضد الثائرين وسحق الجماهير بالعجلة العسكرية المخصصة لحفظ امن البلاد ، كما يضمن الحوار حفظ مسار انتقال السلطة بشكل سلمي ويضمن التحول الى نظام ديمقراطي جديد تسهم الجماهير فيه بصنع القرار ومبني على اساس دستوري وتبادل سلمي للسلطة .
م . قسم الرصد الاعلامي والمركز الخبري
https://telegram.me/buratha