حسين دويج الجابري
لم يسجل التاريخ العربي المعاصر للجيوش العربية في كافة المواجهات الخارجية انتصارا واحد وقد أثمر فوزا حقيقيا وواضحا عرفت ملامحه وتأطرت برامجه بالنجاح الدائم ,, وفي نفس الوقت كافة المعارك التي خاضتها الجيوش العربية منذ رسم الخارطة المعاصرة للعالم وترسيم حدود الأقاليم كانت انتصارات إعلامية هائلة أشفقنا فيها من قسوة رجالنا على أعدائهم الذين لم ينفك الرعب يحاصرهم منذ تلك الجولات والصولات العربية العظيمة والى هذه الساعة ,, وان الفبركات الإعلامية التي تهلل وتصفق وتحتفل بها الحكومات بين الأحيان المتفرقة وتعتبرها أعيادا وطنية ومناسبات قومية لانجازات الجيوش العربية لكي تشرب بها عقول الأجيال فيبقوا على جادة آبائهم الأفذاذ ماهي إلا أوهام حقيقية وأساليب لغسل الوجه المستهلك للحكومات والجيوش ,,
وفي زحمة هذا السجل الحافل بالهزائم والنكبات والانكسارات وخيبات الأمل نرى إن الجيوش العربية لها باع طويل في تحطيم أرادات الشعوب وتغليب الطغاة , فهي لم تكتفي بأنها اكبر مؤسسة استهلاكية تستنفذ معظم موارد البلدان وطاقات وإنتاج أبنائها بل ذهبت إلى قتل الشعوب وانقلبت في أكثر المواقف إلى مارد جبار يحطم البلدان وبناها التحتية لا لشيء إلا لرغبة الحاكم الجائر الذي لايقبل بالرأي الآخر ولا يسمح بالحريات أن تجد سبيلها إلى الانعتاق ,, وان العالم الآن رغم التقدم في الفكر الحكومي وتصاعد نغمة الديمقراطية على السن الملوك والزعماء والقادة والأمراء والرؤساء فان الحكومات العربية لاتعرف من هذه المسميات ألا إنها لغة العصر ويسلكون سلوك الفراعنة والتبابعه والأكاسرة والقياصرة والأباطرة في العصور الأولى من الحياة ,, فكانت جيوشنا اليد الضاربة لتدميرنا وتدمير إنتاج الفلاح المسكين والصانع المجتهد والطالب المواظب والحياة بكل أشكالها ,, وبفضل حكوماتنا التي تقود جيوشنا نعود كل عقد أو عقدين إلى نقطة الصفر لنبدأ الحياة من جديد بكد وكبد ثم يستهلكها رجال الجيش ,,
ولا ادري هل إن الإنسان لما فكر في تأسيس الجيش كان يريد من ورائه أن يحمي نفسه أم يقتلها ؟؟ الحقيقة إن فكرة الجيش لما بدأت في العصور الأولى لم تكن من اجل حماية الشعوب أو البلدان وإنما وجدت من اجل كسب المغانم للسلطان وقهر العباد الذين يجب أن يقروا بإلوهية الحاكم القوي ,, فيدفعون الضرائب التي تزيد من أموال خزائن الملوك ويصنعون لهم الاحترام والحظوة ,, وفي نفس الوقت وتحت الشعارات المقدسة تندفع الجيوش لاجتاح الأمم الضعيفة ومصادرة أموالها واستعمار أراضيها ,,
غير إن ذلك كان قبل آلاف السنين حيث إن البقاء للأقوى ,, فهل إن شريعة الغاب يجب ان تسود الأرض حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا ؟
الظاهر إن الفكر العسكري في الدول العربية لم يتغير مطلقا وان جيوشنا الحديثة تحولت على الشعوب إلى نقمة مزدوجة فهي اكبر المؤسسات الاستهلاكية والتي لا نغالي إذا ما قلنا بأنها تستهلك مايزيد على 60% من ميزانية الدول العربية , فبين الإنفاق على تسليحها وتدريبها وانشائتها وطعامها ومرتباتها تقوم هي أيضا بتدمير بنى البلاد التحتية وتحطم أسلحتها بنفسها وهذا ما أثبته التاريخ العراقي في حروب الثمان سنوات مع إيران و الخليج الأولى والثانية '' فبعد المليارات من الأموال التي صرفت على تكوينه وتسليحه وبعد الضحايا التي قدمها من أبناء الشعب قرابين للسلطة الدموية عاد الجيش مكللا بغبار الهزيمة لكي يدق أعناق أبناء شعبة ويحطم ممتلكاته ويرضي غرور الحاكم الذي لايعنية غير بقاءه بالسلطة ,, وهكذا أصبحت الجيوش العربية أدوات لاتمتلك العقل وتجيد تنفيذ الأوامر التدميرية ,, ولهذا جثمت الحكومات العربية على صدور شعوبها كل هذه العقود وسلبت أرادتها وحتى أنماط أفكارها التطورية ,, ومن هنا نشاهد إن الصحوة العربية التي انطلقت في بداية العام 2011 وحققت تغييرات واضحة بعد طول سبات ما هي إلا ردود أفعال على ممارسات السلطات الأمنية التي صادرت كافة حقوقها في العيش الكريم وإعادتها إلى شريعة الغاب ,, وكما يلاحظ في هذه الأيام ما يحدث في البحرين من تدمير وقتل للشعب الذي يطالب بالقليل من مكاسب الحرية وما تراق من دماء في سوريا من قتل وتنكيل ولا ننسى ضحايا الشعب الليبي الذي انعكست شخصية القذافي ورعونته على جميع الشعب فصاروا يوصمون بالبلادة والغباء كونهم استسلموا كل هذه السنين لرجل بمستوى القذافي العقلي ,, وعلي عبد الله صالح ليس مختلفا عن غيرة ,,
إن ضمان تطبيق القانون واجب شرعي يجب أن تطالب به الشعوب وتساند السلطات القائمة على هذا العمل بقوة , ولكن يجب أن ترفض الشعوب العربية بثوراتها الحالية فكرة تأسيس الجيوش والترسانات والتسليح ,, ذلك لان الجيوش العربية محكوم عليها بالهزائم الدائمة بالإضافة إلى إن التهديدات الخارجية من الاجتياح ماهي إلا أكذوبة كبيرة انتهت منذ نهاية الاستعمار العسكري الأوربي للعالم ,, وبدأت مشاريع الاستعمار الحديث الاقتصادية والثقافية هي التي تجتاح البلدان وتأخذ منها ما تحتاجه وتخزن فيها مالا تحتاجه آنيا , وان صناعة الجيوش العربية المنهزمة دوما في المواجهات الخارجية والمنتصرة دوما في قتل شعوبها واحدة من أساليب الاستعمار الحديث لتسويق المعدات العسكرية والتجهيزات التي تستنفذ موارد البلاد ,, وتختلق بعد زمن قليل حجة لتدمير هذه المعدات لتسوق أليهم معدات جديدة وتستنفذهم في دائرة لا خروج منها
وتتصاعد النعرات والأحاديث الجوفاء من اجل وضع شرعية لتأسيس الجيوش فلم يسجل تاريخنا اجتياحا عسكريا لبلد على بلد آخر ولم يسجل التاريخ إن جيشا عربيا وقف بوجه غزوا واعتداء ضد أراضية وسيادته فصده '' وان اجتياح جيش صدام حسين للكويت في العام 1990 خير دليل ,, فلقد كانت دولة الكويت تعلن بين الحين والآخر عن استيرادها إلى احدث الطائرات المقاتلة والمعدات العسكرية المتطورة ومن أجود المنشاء ,, كما كانت تجند الكويتيين وغير الكويتيين في صفوف الجيش ,, فكم استطاع ذلك الجيش الثبوت أمام هجمات جيش العراق ,, وكم استطاع الجيش العراقي أن يصمد أمام هجمات قوات التحالف التي جاءت لتحرير الكويت ,, وما هو الشرف والمجد في تلك الحرب التي ضنها الطرفان مقدسة ؟ وما الذي جناه أنوار السادات والجيش والشعب المصري من اختراق خط بارليف ذلك العمل العسكري الذي صار أسطورة ومفخرة للشعب المصري والعربي ,, وماذا خسرت إسرائيل ,, هل إن ميزان القوى الآن يميل لمصلحة مصر المنتصرة في معركة بارليف أم لإسرائيل المهزومة حسب الإعلام المصري و العربي ؟
وماذا عن حروب التحرير وسوق الشباب العربي بالتحفيز للزحف المقدس وتطوع الفدائيين لتحرير فلسطين ؟ هل تمكنت الجيوش العربية مجتمعة أن تنتصر على تلك الدويلة الاستعمارية الصغيرة ؟
الآن أدركت بعض الحكومات العربية إن السياسة والتحالف مع الغرب أفضل الطرق للاستمرار في حكوماتها مقتديتا بإسرائيل في تصور غبي جدا هو إن الحليف الاستراتيجي لأمريكا الراعي والحامي لإسرائيل يمكن أن يكون العرب // ونسوا إن الحلف الاستراتيجي لايمكن أن يفرط في حليفة الذي لاتربطة معه المصالح المشتركة فقط , بل هناك مشتركات أعمق أهمها دحض أعداء السامية بكل اللوانهم وأطيافهم وإبقائهم هامشين وعبيد إلى الأبد ,, ما الذي يهدد الدول العربية اليوم ؟ ومن الذي يحميها ؟ فهانحن نلجاء في ابسط المواجهات إلى الحلول السلمية التي تضمن للحكومة الاستمرار أو إلى الحلفاء للصد عنا مقابل التنازلات الكبيرة والطويلة والعريضة ,, إن الشعوب العربية بكافة اللوانها وأطيافها شعوب لطيفة متآخية مقدرة إلى حقوق بعضها البعض ,, وحتى الشحنات الطائفية التي تقفز بين الأحيان هنا وهناك ماهي إلا طرق خبيثة لإثبات شرعية وجود الجيوش ,, إننا نتأمل من الشباب العربي الواعي أن يسجل في هذا المفرق التاريخي انجازا عظيما يحفظ للأمة هيبتها ويحقق ازدهارها وحريتها , وان يبدل سرفات الدبابات والطائرات والقاذفات والراجمات والصواريخ الى مشروع ثقافي يعمل بعمق على تطوير الإنسان ويدرس بحرص الأفضل وينطلق منه الى الأفضل إن صفقات السلاح التي ترهق الميزانيات والاقتصاد في جميع الدول العربية وهي غير قادرة على اللغاءها من جانب لأنها تشكل مصلحة للمستثمرين في تصنيع وتسويق السلاح من جانب وهي التي تؤسس التهديد في حرب ألا فوز ولا خسارة ,,
https://telegram.me/buratha