وليد المشرفاوي
على امتداد المسيرة الإنسانية , وفي الأدوار البشرية المختلفة كمل الكثير من النساء ولمع اسمهن وبرز ذكرهن , ولكن بقيت السيدة الزهراء تحتل المكانة العليا والدرجة الكبرى بين كل تلك النساء , ولتكون المثل الأعلى لهن ولسائر النساء من الأولين والآخرين , وهي بضعة الرسول وامتداد شخصيته والجزء الذي لا ينفك عن خصاله وروحه وقيمه , وكما كان رسول الله الأسوة الفريدة الكاملة بين الرجال , كذلك كانت الزهراء الأسوة والقدوة الكاملة بين الرجال والنساء , وكما كان صلى الله عليه واله الحجة القائمة على كل المؤمنين والمؤمنات كذلك كانت بضعته الدليل القاطع والحجة الساطعة لجميع المؤمنين والمؤمنات , ولا يخفى على كل بصير ان الواقع الحي المتحرك أكثر تأثيرا في النفوس وابلغ في النفوذ من الدليل والبرهان النظري , قال الإمام الصادق (ع) :وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى . فغاية الخلق والوجود هي المعرفة , المعرفة بالله سبحانه ورسوله وأوليائه وكلما ازدادت هذه المعرفة ازداد الإنسان تكاملا ووصولا إلى الهدف الأعلى , ومعرفة فاطمة الزهراء(ع) هي احد وجوه تلك المعرفة التي كلما تألقت في النفس ازداد صاحبها عصمة وولاءا ونورا يجد آثره في كل شان من شؤونه وكل حل من حالاته , ومعرفة فاطمة هي معرفة منزلتها وعظمتها وسمو شخصيتها وكرامتها عند الله ورسوله والأئمة الطاهرين عليهم السلام أجمعين ,تلك المعرفة التي حارت بها الألباب , وضلت عندها العقول , وجفت لها الأقلام وكلت عنها الألسن , فمن ذا يبلغ معرفة فاطمة حق معرفتها وهي التي قال الأمام الصادق بحقها : من عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر . فأنى لنا أن ندرك عظمة فاطمة التي هي كليلة القدر مجهولة القدر مخفية الآثار , تدرك بها الآمال وتشرق بها الأنوار في قلوب المحبين لها وكما ان ليلة القدر وسيلة للوصول الى القرب والكمال وكذا فان فاطمة الزهراء وسيلة المعرفة والتزود من الفيوضات الإلهية والأنوار القدسية , وكما ان ليلة القدر يفرق بها كل أمر حكيم فان البضعة الاحمدية هي ميزان القرب والرضا وبها يفرق بين الحق والباطل لان رضاها رضا الرب وغضبها غضب الرب , وماذا بعد عن فاطمة ومعرفة فاطمة , وهي التي جبلت على الفضائل واشتقت من نفس محمد صلى الله عليه واله وان أسماءها وألقابها تنبئ عن جوانب العظمة في شخصيتها فهي فاطمة التي فطمت بالعلم وفطمت عن المعاصي وشيعتها فطموا بها من النار وهي الزهراء التي تزهر بنورها لأهل الأرض كما تزهر الكواكب لأهل السماء , البتول التي تبتلت بالعبادة والانقطاع إلى الله , وتبتلت عن الارجاس والأدناس وهي الطاهرة التي اذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيرا , والمعصومة من كل ذنب , المطهرة من كل نقص وعيب ,الراضية بقضاء الله المرضية عند الله التقية النقية المباركة المحدثة العليمة . ويكفي في تبيان منزلتها عند الله سبحانه , شهادة سيد الورى بحقها وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى , حيث يقول (ص) :إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها .فجعل رضاها ميزان رضا الله وغضبها مورد غضب الله , وهذه منقبة لا توازيها منقبة ولا يؤتاها إلا من اصطفاه الله وارتضاه وعصمه من الزلل,وتلك هي فاطمة التي لا ترضى الا للحق ولا تغضب إلا حينما يتجاوز على الحق ويعتدى عليه , فهي الحق بعينه , وقد تمثل في منطقها وأفعالها وسيرتها الفردية والاجتماعية , هذه فاطمة ....سر في عالم الوجود وقبلة العقول , وكنز لا يفنى من الفضائل والمواهب شمس تسطع ببهائها , وجوهرة تتلألأ بأنوارها , فهلا نلتمس من هذه الأنوار جذوة ونقتبس من تلك الجوهرة هدى نستضئ بها لجج الحياة وأزماتها ونهتدي بها في غمرة الأهواء وتزاحم الأعداء الى الصراط القويم والفوز عند رب العالمين , فأدعو جميع الأخوات المؤمنات إلى التمسك بعصمة الورى والعروة الوثقى , ليكونن فاطميات في أفعالهن وأقوالهن, أن الزهراء(ع) ورغم قصر عمرها فقد شيدت عبر حياتها المجيدة مدرسة نيرة تحتاج كل امرأة مسلمة أن تنهل من فصولها المليئة بالعبر والدروس , كبنت أو زوجة أو أم , هذه الفصول الثلاثة التي تمر بها كل امرأة , فلتنظر كل امرأة اين هي وفي أي فصل تعيش , ثم ترجع إلى الوراء عبر مسيرة الزمن وتتصفح التاريخ وتقف في مدرسة الزهراء , تسترجع فصول حياتها الثلاثة . .
https://telegram.me/buratha