علي حسين غلام
إن الأعاصير وزلازل التغيير وتداعيات الأحداث في الشرق الأوسط والعالم غيرت كثيراً من مجريات الأمور ومعطيات السياسة وإعادة رسم موازين القوى، لانعلم نحو الأحسن أو الأسوأ لرمادية هذا التغيير، لتحدث طفرة عبثية وتطفو على السطح ظاهرة تمحور قوى صغيرة بكل المقاييس والمعايير والقوانين السياسية وحتى القناعات لتصنيف القوى والتي كانت خانعة خاضعة لا أثر لها في التاريخ ولم تكن بالحسبان يوماً ما لتكون بهذا الشكل والوضع والموقع الحالي المتناقض للواقع والتفسير المنطقي وتقويض للحقائق، وخصوصاً بعد سقوط الديكاتوريات العسكرية في بعض البلدان العربية والتي تزامنت مع إنزواء دول عظمى حيث دخلت في أغوار سبات عميق لإعادة هيكليتها العسكرية والأقتصادية وتركت حلفاء واصدقاء الأمس ضحية القطب الواحد لتنحر كقرابين على منحر الديمقراطية أو حقوق الأنسان، وبلاشك الكل ضد هذه الحكومات القمعية والفاسدة والتي يجب تعريتها ونشر غسيلها والتي لم تستخلص العبر وتحصي الضرر ولم تدخر سعياً وجهداً لتضميد جراحات شعوبها وكان الأجدر بها عندما دق ناقوس الخطر وتدحرج كرات الثورات الشعبية أن تبدأ بالتغيير والأصلاح السياسي والأقتصادي الفعلي لا الشكلي وتحرير هذه الشعوب من القبضة الحديدية وويلات الفقر والقهر والسعي للتقدم التدريجي ومواكبة الحضارات المتطورة وبناء الدولة المدنية الديمقراطية والتخلص من تبعات الحزب الواحد والقائد الأوحد والتمديد والتوريث وكنا نأمل أن تنجح هذة الثورات في الخليج ايضاً والتي هي الدالة الحقيقية والمحور الأساسي لكل النكبات والإنتكاسات العربية والأسلامية، والملفت للنظر والمخزي والأصعب في تقبل بعض الأقزام الذين ينحدرون من بعض الخلفيات البدوية المتخلفة ذات جذور عفنة نتنة متأصلة بالغزو والنهب والسلب وتاريخ مليء بالعيوب والشوائب والتي لم تفتك لهذه اللحظة متقوقعة ومتمسكة ومتلبسة بتلك الثقافة الجاهلية وغائره في غلة الأنتقام والغدر والنهم في أمتلاك المال والنساء والجواري فضلاً عن الرصيد الضخم الموروث من العمالة لأسيادهم الذين أبتدعوهم وصنعوهم أيام زمان (حين كان يعزف السلام الملكي بالربابة البدوية) ليكونوا بدلاء للتحضر والثقافة المدنية ليخلفوهم في حكم شعوب لا يتجاوزون بضع مئات، والأنكى والأقسى إنهم أصبحوا بعناوين الملوك والأمراء بدون وجه حق أو سلالة نسبية ليحتكروا السلطة التي تدر مالاً بلا كرامة وأستقلال وسيادة حقيقية ومبادئ ومضمون أخلاقي وإنساني، إن هؤلاء ليسوا سوى عبيد وخدم لهذه القوى ليس لهم أنتماء للقيم العربية النبيلة ودمى وشخوص ينفذون ما يملى عليهم ليضعوا قدراتهم وجل قواهم ووقتهم خدمة لدعم وتقوية الصهيونية وتثبيت دولة إسرائيل بمقابل تفريق وتضعيف العرب وتصدع كلمتهم وتكريس ضياع دولة فلسطين والهوية العربية والأسلامية، ونرى هؤلاء الأقزام في هذه الأيام يسوقون لأنفسهم ليكونوا مرجعيات سياسية وقوى عسكرية وإقتصادية ويجولون ويلعبون في دنيا العروبة الممزقة والميتة سريرياً ليركبوا الامواج التي أغرقت دول شتى وليتدخلوا في شؤونها الداخلية (وإما شؤونهم الداخلية فهو محرم للتقرب منها بفتوى شرعية) خصوصاً في تلك الدول التي لها المكانة الدولية والإمتداد التاريخي بل والى إستخدام القوة العسكرية مع قوى الغزو ضد لا أخوة في الدم والدين واللغة، ليصروا غير مكتثرين على بعثرة مقومات القضية العربية التي أصبحت رهينة ما تؤول اليه الأحداث، والتبجح بالتذلل وتقبيل يد العم السام، والتعالي على حكام العرب وشعوبها لسد النقص والخلل في تركيبتهم السايكولوجية التي تعاني من الضعف في الشخصية ذات المستوى المتدني والهوية التي ليست لها جذور قد تغذت من ثدي الوطنية، وتغيير السلوك والصورة النمطية المعروفين بها إذ يحاولون أن يكونوا أسياداً غصباً وحيلاً للخروج من صومعة التقزم والشعور بالدونية وقلة الأحترام من أسيادهم، وكذلك المزايدة في تبني رفع راية العمالة والولاء لهم ومطية لحمل أوزارهم وتنفيذ كل الأجندات المتعلقة بمصالحهم حتى لو أدى ذلك للصراع والإقتتال مع الأخوة الأعداء وتعرض الأمن القومي والإقيليمي العربي الى الخطر وتقسيم بعض الدول الى دويلات وهذا ما تسعى اليها جميع القوى الطامعة في السيطرة على مقدرات هذه المنطقة، إن دوران هؤلاء الأقزام في الفلك الأمريكي وتطميناتها والأستقواء بها لا تحقق متطلبات التعملق والبروز السياسي وتخويف الأخرين، لإن الحكومات العربية وشعوبها بل جميع الدول في العالم وشعوبها تعرف حجم هؤلاء وضعفهم وتعلم أن إرادتهم وعزيمتهم مسلوبة وثوابتهم وقيمهم مهزوزة وتدرك الأوهام والأحلام التي يعيشونها، وإنهم يحاولون دفن العدالة الدولية والسياسية في هذه الظروف التي سوف تزول بإنتهاء الثورات الحالية وهدوء الأعاصير والأمواج، لترجع الأمور الى نصابها الحقيقي والقانوني وإزالة ظاهرة وملابسات تمحور الأقزام المنتفعين التي حدثت والى إيقاظهم من نومهم بلباس الجاهلية لمعرفة مكانتهم وحجمهم الموضوعي والدور الذي يقومون به والذي لا يتجاوز كونهم يلوذون تحت رعاية وحماية أمريكا، ودمى عميلة ورهينة تحركها تلك الأيادي الخفية الموجودة في قصورهم ومنتجعاتهم، وعلى الشعوب العربية الثائرة على حكامها بحجج الحرية والديمقراطية وحقوق الأنسان أن تتوخى الحذر من هذه العناوين الغربية التي أصبحت سمجة ومزركشة بمفاهيم ومدلولات مقتبسة من قواميسهم التي تختلف عن قواميس وطبيعة مجتمعاتنا، وعلى هذه الثورات أن تخطوا خطوات وفق معطيات وتطلعات وقيم ومبادئ دولها وحدودها وضمن إطار مفاهيمها الفكرية والأجتماعية والعقائدية وعدم الأنزلاق والسير وفق ما تريده أمريكا والغرب لأن ذلك يعني التبعية والتمنهج وتسليب الإرادة وتطبيق غاياتهم وأجنداتهم وأن هؤلاء الأقزام العميلة اليد الخفية والقناع الجهنمي لهذه القوى شرورهم أكثر من منافعهم الوقتية، أن التخلص من الدكتاتوريات سيكون ثمنه باهضاَ وجسيماً حين الوقوع في فخ المستنقعات الآسنة الجديدة، خوفاً أن يلي النصر والزهو طأطأة الرؤوس وزيادة الطين بله.
https://telegram.me/buratha