السيد حسين الصدر
من التاريخ الى الجغرافية المبالغة المذمومة قرأت في (الموسوعة العربية المسيرة والموسعة ) /ج1 / ص236 ترجمة القرطبي ( أحمد بن عباس ت 427 ) - الذي كان وزيراً لزهير العامري الصقلبي أمير ( المريه ) ، والذي جمع من الكتب ما لم يكن عند ملك - قوله : ليَ نفسٌ لا ترتضي الدهر عمراً وجميع الأنام طُرّا عبيدا لو ترقّتْ فوق السماء محلاً لم تزل تبتغي هناك صعوداً
ولقد ذهلتَ لأول وهله ، لما تضمنه البيتان من صلف وغرور ، ناهيك عن (الذاتية ) التي تجاوزت كل الحدود ..!!لقد كان القرطبي واحداً من أولئك الذين هاموا بحب أنفسهم الى الدرجة التي لاتكتفي بان تعيش الدهر كلّه، أي انها لا تكتفي حتى بالخلود، الذي لا يتاح لأحد من الناس ..!!ولا يقف الأمر عند هذا الحد ، بل يرى نفسه أكبر من أن يكون الناس جميعاً عبيداً له ....انه يغفل عن أن هذا الشعور يعني ( الا لو هيه ) بعينها ، والاّ فما معنى عدم الرضا بان يكون جميع الناس عبيداً له ؟هنا يتحول الأغراق في حب الذات الى جنون مُطبق .وفي هذا التحوّل ، يكمن السقوط الأخلاقي والأجتماعي ، ناهيك عن السقوط العقائدي والديني .ان سمو النفس ، ورفعتها ، وطموحاتها نحو الرقيّ والتقدم شيء ، والنظر الى الناس على أنهم عبيد شيء آخر .انها نزعة عدوانية فيها الكثير من الشراسة والتنمر ، والخروج على القيم الدينية والأنسانية والأخلاقية والأجتماعية .انها لغة من يرى نفسه من ( طينة ) لا تشبهها طينة الخلق أجمعين .طينة تعلو على الأولياء ، والأتقياء ، والأبرار ، والصالحين ، والموهوبين من العلماء والمفكرين والأدباء ، والفنانين ....وهذه هي الحماقة بعينها هبْ أنه كان يرى نفسه موهوباً ، وربما كان كذلك ، ولكن ما معنى جعل المجتمع بكل طبقاته ، وكل شرائحه ومكوناته ، وكل أفذاذه وأعلامه، عبيداً له ؟ولو أصبحوا كذلك ، لما ارتضاهم أيضاً .....!!!انها صورة ناطقه عن التصورات الرهيبة للنرجسيين، عن أنفسهم، ومكانتهم وفي البيت الثاني :يعلن أنه لو وصل الى السماء علّوا ، لواصل الصعود ، ولم يكتف بما وصل اليه ..!!وهكذا تتضخم في النفس المريضة، مشاعر وأحاسيس ،تصلح ان تكون أمثله وشواهد ( للتفرعن ) في أعلى صِيَغهِ ودرجاته والسؤال الان :هل كان ( القرطبي ) يمثّل حالة نادرة في تصوراته وانفعالاته ؟ أم ان تضخم الجانب الذاتي موجود عن الكثيرين عبر الأقطار والأزمان، وان كانت الصور متفاوتة قوةً وضعفاً ؟ والجواب :ان البشرية ابتليْت بمثل هذه النماذج المتورمة وعانت منها الويلات والكوارث المفجعة .....ان معاناة الشعب العراقي من الدكتاتورية المقبورة البائدة، بكل ما أدعتّه من مناقب ، وكل ما سببته من مصائب، يرجع الى هذا الجانب حيث أنها ، أرادت تركيع الشعب العراقي وأذلاله بما فرضته عليه من سياسات رعناء وممارسات حمقاء، ومغامرات طائشة هوجاء .ولو لم تكن ثمة من جريمة الا المقابر الجماعية لكفاها ذلك خزياً وعاراً ..!!وهذا ملك الملوك (...) القذافي، يواصل رغم كل الوضوح الكبير بوصوله الى الطريق المسدود ،حملات الأبادة الجماعية لشعبه ، والذي يكتب بدم أبنائه اليوم ملاحم الرفض له ولنظامه ولأبنائه ولكل المرتزقة الحافين به ....انه يأمر بتوزيع حبوب ( الفياغرا) على قواته، لأغتصاب العفيفات من الأسر الليبية المناضلة ،في واحدة من أبشع الجرائم التي يرتكبها الحكام الطغاة المفتوتون بذواتهم ....وما يقع اليوم في اليمن ليس ببعيد عن هذا .ان حاكم اليمن يصّر على ان يكون البليد الذي لا يقوى على فهم ما يريده اليمن السعيد ، من حريات سياسية وحفاظ على الكرامة الأنسانيه .ان المسألة مسألة وقت ليس الاّ فالحراك الجماهيري المضطرم ، لا تعيقه عن الوصول الى أهدافه ، عقول متكلسة ، وزعامات ترفض الأعتراف بالمتغيرات و ( التسونامي ) السياسي الذي هبّ على المنطقة بأسرها وحق الشعوب في ان تنعم بالحرية والعدالة والكرامة الانسانية .وهكذا تتصل حلقات التاريخ من ( القرطبي ) المفتون بذاته الى حد الجنون ، الى القذافي المسعور، وحاكم اليمن المعزور ....والنهاية واحدة انها الأندثار والأنحدار المحفوف بكل معاني الخزي والعار .
حســـين الصــــدر
https://telegram.me/buratha