باسم العوادي
في وسط حالة الصخب واللغط السياسي والاعلامي المتعمد احيانا للتمظهر بالوطنية من فريق معين والغير متعمد احيانا اخرى لمجاراة مدعيي الوطنية من فريق منافس تحول الموضوع برمته الى حالة من المزايدة الرخيصة بالوطنية ، فسياسي من كتلة معينة يطلق تصريحا دعائيا من الدرجة الاولى يزايد عليه سياسي او برلماني او اعلامي من الكتلة الاخرى ليرفع سقف المزايدة الوطنية وهكذا يدخل الثالث والرابع حتى فقد الموضوع بريقه الوطني وتحول الى سوق نخاسة بامتياز .اعرف ان الكتابة عن مثل هذا الموضوع وبالشكل العقلائي يكلف الكثير فمن السهل جدا في العراق ان ترمى بالعمالة او الخيانة وبلاوطنية لانك لم تشارك في حفلة العنتريات الوطنية وتكون ضيفا على مائدة المزايدات الاعلامية واطلاق التصريحات الرنانة والتي بعضها مبطن بالحرب والدمار مع كل مشكلة سياسية دبلوماسية خارجية صغيرة او كبيرة وبالخصوص اذا كانت تلك المشاكل مع ايران او الكويت تحديدا دون غيرهما من دول الجوار حتى تتفتق قرائح الكثير عن تحليلات وتصريحات وادعاءات يضيع معها الحق بالباطل وينصهر فيها الخير بالشر ويكون الموقف الوطني آنذاك كالشعرة في العجين قد يرها البعض لكن يصعب عليه اخرجها .الان ذهبت اللجنة المختصة العراقية لتطلع على حقيقة ميناء مبارك الكويتي واللجنة هذه امامها امران لاثالث لها على الاطلاق : الاول : ان تعود اللجنة وترفع تقريرها الى مجلس رئاسة الوزراء وتخبره ان هذا الميناء الكويتي مقام داخل الحدود الكويتية كما هو معلوم وانما انجازه يؤثر مستقبلا اقتصاديا وملاحيا على الممر المائي او البحري العراقي وتقدم تقريرا المفروض انه مفصل حول طبيعة التأثيرات بالارقام والخرائط والصور لان واحده من اوضح المؤآخذات على الموقف العراقي منذ اندلاع الازمة ولحد اليوم هو الاكتفاء بالانشائيات والمصطلحات الفضفاضة اعلاميا والتي لا تسمن ولا تغني عن جوع في العرف السياسي والدبلوماسي من قبل ( ان الميناء يؤثر على الملاحة العراقية ، ان الميناء يؤثر على ميناء الفاو الكبير ، ان الميناء يخنق رئة العراق البحرية اقتصاديا ، ان الميناء ياخذ النصف العميق ويبقي الممر البحري المطمور او غير العميق للعراق وغيرها ) وكل واحده من هذه العبارت او الجمل هي معادلة رياضية مليئة بالارقام والوثائق والصور والخرائط ولكي تثبتها او تثبت عكسها عليك ان تقدم ادلة دامغة صحيحة لان المسألة في مثل هذه الحالات ليس مسألة داخلية بحته وانما هي خلاف حدودي بين بلدين وهذا معناه ان الامم المتحده تنتظر الاشارة للتدخل في الموضوع حينها يكون الكلام للادلة والوثائق الاممية العالمية والتصوير بالاقمار الصناعية واستخدام التكنلوجيا الحديثة واذا ما اتخذت الامم المتحدة قرارا آنذاك لاينفع الندم ، بالنسبة لي لم اطلع على اية معلومات منذ اليوم للازمة سوى التصريحات الانشائية العمومية التي سطرتها فوق وكنت آملا ان تخرج مؤسسة حكومة او مدنية واحدة وتقدم شرحا وبالمعلومات والارقام والصور والخرائط تثبت الحق العراقي بالموضوع طبعا باستثناء صورة او صورتين لخرائط يقال الان انها لم تكن صحيحة ولم يُعلق على الخرائط باي شرح موضوعي ، على الجانب الاخرى يطوف السفير الكويتي مع حقيبته المليئة بالادلة والمعلومات والوثائق على مختلف القيادات السياسية العراقية ويطلعهم عليها متأكدا من نفسه ومعلوماته وهو يردد ان الميناء لايؤثر على الجانب العراقي وانا أميل الى ذلك تحليلا لاني اعرف ان الكويت كسلطة لا تريد ان تعتدي على العراق ولا تريد ان تتورط مع العراق باي خلاف من جانبها كدولة لكي لا يكون مدخلا سياسيا يستدعي فيه البعض الماضي وتُعاد كرة الفرع والاصل والمتعاطي معهم سياسيا يدرك انهم يحسبون لكل موضوع عراقي الف حساب قبل ان يلجو فيه وما دام انهم قد ولجوا الى ميناء مبارك فهذه معناه مبدئيا بانهم قد حصنوا انفهسم قانونيا ووثائقيا بان مشروعهم لايضر بالعراق ثم اقدموا عليه ، أما مسألة تاثير ميناء مبارك على ميناء الفاو الكبير فهذه اشبه بالمزحة عند عقلاء السياسية والاقتصاد لانه لاوجود لشيء على الارض او في العراق اسمه ميناء الفاو الكبير نعم هناك حبر على ورق مكدس في دوائر رسمية يسمى مشروعا بهذا الاسم يقال ان كلفة انجازه بين 10 ـ 15 مليار دولار وفترة انجازه لا تقل عن 5 سنوات وبما ان العراق لا يملك المال الكافي ولايريد ان يعطي هذا المشروع لاي جهة استثمارية بعد ان قدمت جهات استثمارية عملاقة افكارا هامة لاستثمار المشروع منذ عدة سنوات رفضت طبعا لاسباب سياسية ، اقول لايوجد الان شيء اسمه ميناء الفاو الكبير والحديث عنه بصفة الامر الواقع الحالي او حتى المستقبلي من قبل جهات عراقية حالة اقرب للهلوسة منها للواقع ولا يليق بدولة مثل العراق ان تتحدث بصيغة (ان هناك مشروعا كويتيا سيضر بمشروع نريد ان ننجزه في المستقبل غير المعلوم ) ، او ان يكون الرد انتحاريا بان يقول البعض نرد على ميناء مبارك ببناء ميناء الفاو الكبير وهذا معناه ان المشاريع الستراتيجية لدينا هي ردات فعل فننفق 15 مليار دولار لكي نمع الكويت من بناء ميناء بمليار واحد!!!وعودا على بدء بالمتصور الاول هو ان يقول التقرير العراقي بان الميناء يؤثر على الوضع العراقي وهذا معناه خلاف جدي مع الكويت يجب على رئاسة مجلس الوزراء ومؤسسات الدولة العراقية ان تتخذ فيه موقفا ولان الموضوع بين العراق والكويت فهذا معناه كما قلت تدخل الامم المتحدة بناء على قاعدة القرار 833 ( وجيب ليل واخذ عتابه ) والعراق يريد ان يخرج من البند السابع وعليه ان ينهي متعلقاته مع الكويت وهذا كله معناه ازمة سياسية جنوبية حادة يرافقها ازمة شمالية حادة مع تركيا بعد ان قيل ان الحكومة اوقفت توقيع الاتفاقية الستراتيجية مع تركيا لحين الاتفاق على موضوع الحصص المائية ، اذن الخاسر في الازمة هو العراق على مستوى العلاقات وعلى مستوى الامم المتحدة وعلى مستوى الداخل العراقي وعلى مستوى المستقبل القادم والسبب هو تلك الحالة التشنجية الانفعالية من المزايدات السياسية والادعاءات الوطنية الآنية الفارغة التي لا تحسب بميزان الذهب موازين القوى ولا تعرف كيف تقرأ المستقبل سياسيا ودبلوماسيا ولا تستطيع ان تقنع دولة عربية مجاورة صغيرة مثل الكويت بوجهة نظرها بعيدا عن التهديد والتهريج والتصعيد. الثاني : هو ان تعود اللجنة وترفع تقريرها وتقول ان الميناء لايؤثر على الوضع العراقي الاقتصادي او البحري والاخبار الأولية تؤكد مثل هذا المعنى وهذه هي الطامة الكبرى بعينها فالعراق الذي يتلاطم كالبحر المظلم الهائج حول ميناء مبارك الكويتي وتأثيراته التسونامية على العراق وحالة التهييج الاعلامي التي وصلت حتد التهديد بالزحف وتصريحات اغلب الطيف السياسي العراقيي الرنانة يتضح انها ( بوخة ) وهنا يطرح السؤال التالي نفسه وبالحاح : اية دولة وحكومة هذه التي لاتعرف شيئا عن حدودها ؟ ولا تعرف ما ينفعها او يضرها ؟ وأية دولة او حكومة هذه التي يهيجها ويسخنها موضوع يتضح بالنهاية ان لا تأثير له عليها ؟؟؟ !!! والمحصلة كذلك ان العراق هو الخاسر الوحيد من الازمة .ما دفعني للكتابة بمثل هذه الانفعالية هو غياب المنطق في طبيعة التعاطي العراقي مع الازمات سياسيا وشعبيا فكل ازمة عندنا هي معركة مصير غير قابلة للنقاش او التفاوض ، وكل موضوع هو اعتداء على الشرف الوطني الذي يجب ان يراق على جوانبه الدم ، وأي خلاف داخلي او خارجي فهو صراع حياة او موت لابد ان نخوضة لانه قدر مكتوب علينا ومن كُتبت عليه خطى مشاها ، هذه هي طريقة التعاطي مع الامور والتي ان حاول البعض ان لايضهرها لكن وسائل اعلامه وتصريحات كتلته او تياره تعكسها بكل وضوح والنتيجة ازمة سياسية ودبلوماسية مع السعودية والبحرين على خليفة احداث البحرين وازمة مع تركيا على خلفية موضوع المياة وازمة الان مع الكويت حول الميناء وازمات مع سوريا سابقة وازمات متكررة مع ايران لعل اخرها حول موضوع بئر الفكة الذي كانت طريقة التعاطي معه شبيهة بطريقة التعاطي مع ميناء مبارك ، ومن ازمة الى ازمة ومن مستنقع الى مستنقع ومن ارتداد الى ارتداد آخر في علاقاتنا مع دول الجوار التي لا نستطيع ان نعيش بدونها لانها كالرئة لنا مثلما نحن كالرئه لهم والسبب هو غياب المنطق والعقلائية والوسطية والاعتدال في النظر الى المواضيع واعطاء كل موضوع حقة بصورة منفردة وعدم مزجه او دمجه بالمواضيع الاخرى والايمان بالتخصص في طبيعة التعاطي مع الازمات فمن المعيب ان يتحول البرلمان المختص بالتشريع واعضاؤه الى وزارة خارجية يتدخلون بالشؤون الخارجية الدبلوماسية كيفما يروون ، ويتحول الاعلامي والصحفي الى عسكري او بلطجي في طبيعة النظر الى الازمات وشغله التحريض وصبح الزيت على النار ، ويتحول الوزير في الازمة من وزير مختص الى رئيس جهاز مخابرات ، في الازمات السابقة وازمة ميناء مبارك الحالية تبادل كل من يهمة الامر الادوار التخصيصة والفنية بالمواقع والمواقف حتى ضاعت الحقيقة وفي مثل هذه الحالة التي تابعتموها جميعكم ، أسألكم بالله هل يبقى للوطنية معنى ؟؟؟ ان طريقة التعاطي مع ميناء مبارك ومع مشاكل دول الجوار توحي بما لايقبل الشك بأننا مقبلون على حروب مستقبلة لا تختلف عن حروب صدام حسين ما لم تعالج مثل هذه الامور بالتريث ومالم يُحترم التخصص ومالم تتحلى الصدر السياسية العراقية بالسعة ومالم يكن العنوان الاول هو الاتزان والمطاولة والدبلوماسية والوطنية بالعمل وبدون شعارات ، خلال الايام القادمة سيعرف من هو الوطني في الازمة ومن هو مدعي الوطنية ؟؟؟
https://telegram.me/buratha