فراس الغضبان الحمداني
ربما سنحتاج إن نؤكد من السطر الأول بان ما سنعرضه من معلومات ليست ذات طابع سياسي بل هي وقائع وحقائق يلمسها كل الإعلاميين العراقيين الذين عاصروا النظامين الذي سميا ( بالدكتاتوري ) و ( الديمقراطي ) ولكي تكتمل الصورة لابد العودة إلى الوراء واستذكار قانون تحرير العراق الذي أصدره الكونكرس الأمريكي مطلع القرن الحالي وخصص بموجبه (98 ) مليون دولار تصرف لجهود المعارضة العراقية في إسقاط نظام صدام حسين وبالطبع كان للإعلاميين حصة معلومة رغم إن اغلبهم كانوا من الطارئين على الصحافة والإعلام .
ولكن أمريكا طبقت المثل العراقي الذي يقول ( من قلة الخيل شدوا على الجلاب سروج ) وفعلا انعقد مؤتمر في أثينا لوضع ما أسموه بسياسة وإستراتيجية الإعلام الحر ، وقد أرسلت أحزاب وحركات المعارضة من يمثلها إلى هذا المؤتمر الذي تبنته وأشرفت عليه شركات أمريكية ، وكانت نتائج هذا اللقاء هي الأساس الذي أصدر بريمر بموجبه قراري 65 ، 66 وأيضا رسم القدر لهؤلاء الطارئين على الإعلام الذين حضروا المؤتمر أدوارا قيادية للإعلام العراقي في مرحلة ما بعد السقوط .
واستمر الجهد الأمريكي بإرساء البنية التحتية لإعلام حر على الطريقة الأمريكية فعقد الاجتماع في واشنطن لمجموعات صدامية قدمت نفسها على أنها خبراء في الاتصال والإعلام أصبحوا فيما بعد أعضاء دائمين في إحدى دوائر الإعلام ، وكانت الحصيلة العملية بعد إنفاق ملايين الدولارات هو ما نراه الآن من إعلام كسيح لا يستطيع إن يقنع ابسط الناس بحقيقة واقعة ، لكن المهم إن أصحاب الشأن ملئوا جيوبهم من المال العراقي ومن أموال الدول المانحة فالكل سواسية في ( حوسمة ) هذه الأموال .
وعندما اتضحت الرؤيا للأمريكان لم يجدوا من ينقذ سياستهم إلا الشخصيات الإعلامية المعروفة بالنصب والاحتيال وإتباع الطرق الملتوية ، فبعد لقاءات متكررة مع بريمر والسفراء من بعده ، أسفر الأمر عن تخصيص ملايين الدولارات في إطار ما يسمى بتنمية الإعلام العراقي ، وحصل هؤلاء المقامرين على مطابع حديثة وأجهزة ومعدات اتصال متطورة ، وأعلنوا عن إصدار صحف وإقامة إذاعات وقنوات فضائية أطلقوا عليها بدون خجل أو حياء أنها مستقلة ، وبإمكاننا إن نضع النقاط على الحروف ونسمي الأسماء بالمكشوف .
وقد أصبح هؤلاء المرتزقة الآن أصحاب مؤسسات ومنظمات مستقلة من حيث الظاهر ومن الباطن أمريكية، وتلهف ما يقدمه الأمريكان من هبات ومنح ومعها أيضا استثمار مؤسساتهم للإعلانات التجارية وفي مقدمتها الإعلانات الأمريكية مدفوعة الثمن التي تحارب الإرهاب على حد وصفهم ، وإعلانات الوزارات العراقية والأحزاب ، وإعلانات ( دسمة جدا ) من المفوضية العليا للانتخابات التي يقال أنها مستقلة ، إضافة إلى خدمات تجارية أخرى .
وهناك أموال يتم تحصيلها بطرق بهلوانية من كبار المسؤولين والبرلمانيين ومن جهات داخلية وخارجية ومكاتب وسفارات ، حتى أصبحت هذه المؤسسات الإعلامية إمبراطوريات مالية كبيرة يتزعمها شلة من الجهلة الأميين ، وهم ألان يتحدثون بالمليارات ويحركون أصابعهم بالسيكار الأمريكي ، وبعضهم وبعضهن يمتلكون القصور الفخمة خارج الوطن والكثير من المبالغ الكبيرة تصلهم من العراق عبر عرابهم المعروف بالطارئ على الوسط الإعلامي والذي تم طرده مؤخرا من إحدى المنظمات الأمريكية العاملة في العراق اثر عمليات فساد تقدر بعشرات الملايين من الدولارات .
ولم يتوقف الفساد الأمريكي عند وسائل الإعلام فقط وإنما امتد للبحث عن مرتزقة صداميين بهلوانيين متلونين لإدارة منظمات المجتمع المدني تحت شعار دعم وتنمية الإعلام العراقي ، والتي باشرت هذه المنظمة بقبض الأموال الطائلة بينها وبين سماسرة يشابهون مديرها بانعدام الكفاءة والمهنية أو التخصص الأكاديمي ، فراحوا ينظمون العشرات من الورش الوهمية تحت مسميات الديمقراطية والآليات الانتخابية والتغطيات الإخبارية والتحقيقات الاستقصائية ، وحقيقة الأمر أنها أكذوبة يحضرها جمهور من غير الصحفيين أو الصحفيات ، تلتقط لهم الصور وتثبت أسمائهم وتوقيعاتهم في قوائم وهمية لصرف مبالغ حضورهم ، وتظهر ورشهم في وسائل الإعلام مقابل ثمن وتواطيء عدد من المراسلين الذين يقبلون الرشوة على حساب سمعة فضائياتهم الذين يجعلوها شريكة خاسرة للدعاية الكاذبة للفاسدين .
ونتيجة الأمر وبعد كل هذا النصب والاحتيال تسجل الإدارة الأمريكية وسفارتها بأنها حققت انجازات في مجال تأهيل الإعلام العراقي وهي في حقيقة الأمر أموال تتجه لجيوب اللصوص والمحتالين .والغريب إن الأمريكان لا يريدون سماع هذه الحقيقة والتحقق في هذه الادعاءات وهذا ما يؤكد احتمال إن هذه الجهات الأمريكية نفسها متورطة مع المفسدين العراقيين في الضحك على ذقون الرأي العام الأمريكي ، والدليل إن الإعلام العراقي يمر الآن بانتكاسة خطيرة قد لا يخرج منها طال ما بقيت هذه الزمر الفاسدة تنهش بهذه الفريسة الكبيرة .
دعوة مخلصة إلى جميع الجهات المعنية وبالأخص هيئة النزاهة والأمانة العامة لمجلس الوزراء / دائرة المنظمات الغير حكومية إن تشن حملة باسم صولة الإعلام ضد المفسدين والنصابين لإنقاذ الإعلام العراقي من نهب الأموال التي تصرف لتنمية جيوب اللصوص أصحاب المراصد الشبحية و الورش الوهمية ومهرجانات دروع الكلاوات .
https://telegram.me/buratha