جواد العطار
تقوم فلسفة الديمقراطية التوافقية في المجتمعات ذات التنوع الاثني او اللغوي او الديني على وجود انظمة تُطمِئن مختلف مكوناتها وتتيح لها المشاركة والتمثيل بفعالية في السلطات الثلاث على نحو يجعل اتخاذ القرارات المصيرية ممكنا . وتفترض الديمقراطية التوافقية؛ بحرصها على تمثيل مختلف مكونات المجتمع؛ ان تحول دون تفاقم الازمات السياسية وتدفع كافة الاطراف في لحظات الخلاف الى تسويات تحتكم للآليات الدستورية والمؤسساتية ... والى ما تنص عليه من شروط لاتخاذ القرارات الحاسمة . واذا كانت الديمقراطية الحديثة العهد في العراق ، قد اقترنت بعد الانتخابات التشريعية الثانية عام 2005 بالتوافق؛ لتمثيل كافة مكونات الشعب وطوائفه في مجلسها النيابي ، فان ذات الديمقراطية اتجهت الى التوافقية السياسية بعد الانتخابات الاخيرة لتتحول المكونات الى ائتلافات حيث اندمجت وذاب بعضها ببعض في ظاهرة يفترض انها صحية بدرجة مئة بالمئة . لكن ، ما حدث ان التوافق اصبح وسيلة الكتل والسياسيين للخروج من اي مأزق يواجههم او مشكلة تعيق بقائهم او استمرارهم .ان المتتبع للشأن السياسي يجد ان الدورة البرلمانية الحالية بنتائجها التي جاءت متقاربة بشكل نسبي بين العديد من الكتل ، كان له ان يؤسس لحكومة اغلبية فعالة تقابلها كتلة معارضة تتولى الرقابة والمراقبة والاشراف ولها ان تطيح بتلك الحكومة متى ما وجدت النصاب اللازم او خرجت الحكومة عن الاهداف والمسؤوليات التي تشكلت من اجلها . هذه الصورة النمطية للديمقراطية التوافقية القائمة على المكونات السياسية ، والتي كادت ان تنضج وتصبح حقيقة في العراق حينما وقعت الاطراف الفائزة على اتفاق اربيل لتسمية الرئاسات الثلاث وتشكيل الحكومة بعد مخاض طويل استمر لاكثر من ثمانية اشهر ، تلاشت بعد نقض تلك الاتفاقات والدخول في خلافات وتفسيرات وتأويلات وختمت برسائل وسجالات ، رغم ان ذلك الاتفاق تم تاطيره لحظة التوقيع عليه وقراءته من قبل رئيس البرلمان امام كافة القيادات والبرلمانيين في جلسة مفتوحة . ان التوافق اليوم لم يصبح على اساس المكونات كما كان قبل اربعة اعوام ، ولم يعد على مبدأ الاتفاقات السياسية كما كان بداية العام الحالي ، بل اصبح على مقصد الغاية تبرر الوسيلة . فاذا تعرضت الحكومة الى ضغوط تتعلق بمسألة مصيرية مثل خروج القوات الامريكية؛ وتنفيذ بنود الاتفاقية الامنية المبرمة بين الطرفين او تمديد بقاءها او عقد اتفاقية جديدة؛ من قبل التيار الصدري وشريحة واسعة من ابناء الشعب العراقي ، تتجه الكتلة المشكلة للحكومة وقياداتها السياسية الى فتح ابواب المفاوضات؛ التي اغلقتها سابقا؛ مع الكتل الاخرى ( العراقية مثلا ) ... وتستمر الاجتماعات وتتوالى الاخبار والتصريحات عن تقدم في ملف كذا وتعنت في ملف كذا وتختتم بالمفاوضات ايجابية ... وهي في الحقيقة تضر بالعملية السياسية وبالديمقراطية لما تستهلكه من وقت وجهد بدون نتائج ، ولما تحدثه من شروخ في جدار الثقة بين المكونات السياسية قد لا تندمل بسهولة . ليبقى الحال على ما هو عليه منذ اكثر من عام منذ اغلاق صناديق الاقتراع في انتخابات 2010 ، ولتتراجع قضايا الوطن وشؤونه المصيرية ، التي يجب ان تتصدر الاحداث وتأخذ الحيز الاكبر من الاهتمام السياسي والاعلامي والشعبي ، ولتستمر معاناة المواطن وتتفاقم مع تراجع اولوياته في معالجة قضايا البطالة والخدمات الاساسية وملفات اخرى شائكة كثيرة ومتوالية ... لتركن جميعها على رف التوافق السياسي الذي لا يسير بنا الا خطوات واثقة الى الوراء .
https://telegram.me/buratha