علي محمد البهادلي
كل بلد من بلدان العالم إذا اعترض سبيل استقراره مجموعة من الأزمات والمشكلات المستعصية، فإن أهم خطوة يجب أن تتخذها النخب الدينية والسياسية أو الوجوه الاجتماعية هي الركون إلى مبدأ الوحدة أي توحيد الخطاب وإبعاد التشنجات قدر المستطاع؛ كي تكون المواقف المتخذة تجاه هذه الأزمات واحدة لا يكتنفها التشتت والغموض وبالتالي سيكون تنفيذها والسير بها نحو مرحلة التطبيق لتلافي الأزمة ميسوراً، وإلا فإن التشتت والنزاع سيزيد من الخسائر ويضيف إلى الأزمة أزمة أخرى.
وبما أننا نعيش هذه الأيام ذكرى توقيع الحكومة العراقية مع الجانب الأمريكي الاتفاقية الأمنية أو ما أسمته الحكومة ( اتفاقية الانسحاب) وبما أننا في الأشهر الأخيرة للانسحاب الأمريكي المفترض على وفق الاتفاقية المذكورة آنفاً فيجدر بنا أن نعرض لهذا الموضوع من جانب مواقف الكتل والنخب الموجودة على الساحة العراقية.
إن الساحة العراقية بعد 2003 تسيدتها أكثر من جهة لكن هناك بعض الجهات كانت لمساتها واضحة على العملية السياسية بغض النظر عن الظروف الموضوعية التي جعلتها فاعلة بهذا الشكل، من هذه الجهات بدت لها الغلبة بشكل واضح وجلي وهما المؤسسة الدينية والأحزاب الإسلامية وإن كنا لا نغفل الجانب القومي والعرقي، خصوصاً أن هذا الجانب قد أكد حضوره من خلال الأخوة الأكراد في شمال العراق بعد الانتفاضة 1991 وهذا مما لا شك فيه إلا الوضع في العراق لا سيما الجنوب والوسط تسيد فيه الموقف تلكما الجهتان أي المؤسسة الدينية والأحزاب الإسلامية بطابعها المذهبي المختلف، ونتيجة لاستغلال السياسيين للجنبة المذهبية وإدخالها بشكل واضح حتى من قبل الأحزاب والكتل التي تدعي الوطنية في كل صراع حتى لو كان أبعد ما يكون عن هذه الجنبة فقد تعثرت العملية السياسية كثيراً وأصيب الملف الأمني بالنكسة تلو النكسة ناهيك عن الملف الخدمي، وكل ذلك كما ذكرنا نتيجة لمذهبة السياسة و"حصحصة" المناصب، ولم تسلم أي حكومة وأي وزارة في هذه الفترة الزمنية المنصرمة مما ذكر آنفاً، لكننا اليوم تجاه أمر مصيري لا يقبل المساومة أو الاستغلال؛ لأنه مرتبط بسيادة العراق وهيبته، فهل يرضى سياسيو العراق وعلماؤه من المؤسسة الدينية أن يبقى العراق تحت الاحتلال الأمريكي، ونحن نعيش اليوم في القرن الواحد والعشرين؟!
ربما تكون الإجابة سهلة وبسيطة وهي أن لا أحد يقبل بذلك، لكن!! والكل يتذرع بـ(لكن) ويطرحون السؤال تلو السؤال : هل القوات العراقية قادرة على مسك الملف الأمني بعد الانسحاب؟ ما الذي يضمن عدم نشوب حرب أهلية لا سيما أن خطاب السياسيين ما زال متوتراً؟ هل تبقى الدول الإقليمية مكتوفة الأيدي إزاء الانسحاب الأمريكي، أم أنها سوف تبتلع الساحة العراقية؟
الحقيقة إن جميع هذه الأسئلة هي متوقفة على اتخاذ الجهات الدينية والسياسية مواقف جادة وحازمة تحت طاولة واحدة يطمئن كل طرف الطرف الآخر، ويعرض تحفظاته والحلول المفترضة أمامها؛ كي يكون الموقف واحداً، وإلا فإن لم تتخذ هذه الجهات موقفاً متسقاً متوحداً متناغماً، فربما تنزلق الساحة العراقية إلى مرحلة التردي الأمني مرة أخرى لكن هذه المرة ستكون أدهى وأمر.
https://telegram.me/buratha