بقلم علي الموسوي / هولندا
لقد اعتاد العراق ومنذ القدم أن يتصدر الأخبار والعناوين في كل أنحاء العالم لما حباه الله من الخيرات وأولاه اهتمامآ بالغآ ليكون موطن الأنبياء والرسل والأئمة الأطهار وتقوم عليه أعظم الحضارات في الدنيا ... ويكون منارة للعلوم والآداب والقوانين .... ومازلنا نفتخر بشموخ بابل وسومر وأكد وآشور ووو ، والحضارة الاسلامية التي انطلقت محلقة من بغداد الحبيبة لنعلم أبناءنا وأحفادنا ونقول كان منا الفارابي !! ومنا ابن الهيثم ومنا ابن مأسوية !! و منا أبن سينا !! و منا الخوارزمي !! وكان منا فلان وفلان الى أن يعجز القلم واللسان عن ذكرهم وحصرهم في كل العلوم والفنون والآداب من القديم الى المعاصر ، وبالمناسبة حتى لايخرج علينا شخص ويقول ان الكثير من هؤلاء العلماء من اصول غير عراقية ! فهم من بخارى وايران أو الاندلس أوسائر بلاد المسلمين نقول نعم هذا صحيح .. ولكن الأهم من ذلك انهم قدموا الينا لطلب العلم والعلوم وانطلقوا من هذه البلاد العظيمة لينشروا علوم الفلك والكيمياء والطب والرياضيات! ولكي نقترب أكثر الى صلب الموضوع ... ذهبنا في سفرة مع العائلة الى مدينة باريس الجميلة .. وكانت لنا زيارة خاصة الى متحف اللوفر وكان الجميع يتنقلون بلهفة وشوق من قاعة الى أخرى ليصلوا الى جناح بلد الحضارات ( وادي الرافدين ) ويشاهدوا بالتحديد مسلة حمورابي ... وماهي الا لحظات وبدأت أسجل مالا تصدقه العيون ومالا تدركه العقول .. نعم شاهدت بعض الأفراد من بلدي الحبيب العراق ومجموعة الأجانب المهتمين بالتاريخ الانساني والكل يحمل معه الكاميرا ليصور ويسجل للتاريخ من هو حمورابي وماهي قصة المسلة التي ظلت حاضرة وعالقة في أذهان العالم والعراقيين الذين درسوها في مادة التاريخ أيام المتوسطة أو الاعدادية .. وعذرآ للقارئ العزيز لأن العمر له أحكامه ولم استطيع التحديد وفي أي مرحلة كانت .. نعم اختلطت الدموع والذكريات عند هذا المشهد البابلي وهذه الشريعة الوضعية التي أمتدت في أعماق التاريخ والتي انطلقت منذّ سنة 1750 ق. م لتصل الينا اليوم وتدرس في المدارس والمعاهد والجامعات ..!! شخص يضرب على كتفي من الخلف برفق وبيد حنون !! قلت في نفسي من هذا ؟ أفكار تدور في رأسي للحظات وأسمع بعدها سيداتي وسادتي من يتحدث الفرنسية يقف على اليمين ومن يتحدث الانكليزية يقف على اليسار .. استدركت الموقف سريعآ أنا والعائلة وفهمت انهم مرشدون من قبل وزارة السياحة وظيفتهم تعريف السائحين عن هذا الجناح وذاك وبدء المرشد بالحديث والتعريف بالحاكم السادس للبابليين القائد والحاكم حمورابي وما ان وصل بالشرح لمسلة حمورابي والتشريعات والقوانين التي كتبها واذا بالمرشد السياحي يشير الي بعصاه الرفيعة قائلآ ومحدثآ الجميع هل تعلمون أيها السيدات والسادة ان كل ما لدينا هو من هؤلاء القوم ...!! نعم موقف صعب جدآ ... أجهشت بالبكاء حزنآ على بلدي الذي كنت أتمنى له أن يقود العالم بعد ان توافرت فيه كل الأسباب ولكن !!!! ؟؟
مهلآ علي أيها القارئ العزيز سيصيبك حزن كما أصابني وعيالي ! وبدأت الأفكار تدور في رأسي وانا بالتو قد انتهيت من تصفح وسماع الأخبار وقد صدمت كثيرآ عندما شاهدت التقرير الذي بثته القنوات العراقية عن العصابة الاجرامية والسفاح المدعو ( فراس الجبوري ) وكنت أتمتم في حيرة وأتحدث مع نفسي متى سينال القصاص العادل من هؤلاء المجرمين ... ؟ متى سننتصر لدماء الشهداء والأبرياء .. ؟ وأخذتني الجرأة في زحمة العنفوان والغضب وقررت السؤال من السيد رئيس الجمهورية الاستاذ جلال الطالباني ؟ وبدون أي رتوش أو مجاملة ،
ياسيادة الرئيس لماذا ترفض التوقيع على اعدام المدانيين والارهابيين ؟؟ وبالطبع ستأتي الاجابة بأن "مبادئه لا تسمح له بالتوقيع على هذا القرار، ولأنه محامي ومدافع عن حقوق الإنسان وعضو فيها ويقف ضد حكم الإعدام!" فمن سيصدق مثل هذا الكلام؟! هل أن صفوف الاتحاد الوطني وقيادته والطالباني نفسه على قناعة بهذا الكلام في قرارة أنفسهم ؟! إنني لا أعتقد ذلك! ببساطة لأن الطالباني لم يكن في أي يوم من الأيام ناشطاً في مجال حقوق الإنسان (حتى بتعريفها البرجوازي المحدود والقاصر). وحتى تكون الصورة أكثر وضوحآ للسادة القراء والباحثين في مجال حقوق الانسان في العراق ، لقد كنت شخصيآ ومنذ عام 1988 ناشطآ في هذا المجال والى يومنا هذا ولدي معرفة ودراسة لابأس بها في هذه القوانين الوضعية ... والسؤال الأهم الذي نطرحه لسيادة الرئيس وهو كلنا يعلم ان رئيس الجمهورية له حقوق وعليه واجبات وشأنه شأن أي فرد من أفراد الشعب العراقي مع الأخذ بنظر الاعتبار للشخص وتاريخه ومكانته ومركزه الذي يجعل منه خيمة لكل العراقيين والشهادة لله ان الطالباني أثبت كفاءة عالية في ادرارة كفة البلاد وحاول عدم الدخول في المهاترات وتجنب الصراعات السياسية ومسك العصى من الوسط وباختصار شديد كان الشخص المناسب في المكان المناسب وباتفاق جميع الأطراف والمذاهب والقوميات وأستحق هذا المنصب بكفاءة وجدارة .
ولكن كل هذا التاريخ المشرف لاينفعك ياسيادة الرئيس طالباني وأنت امام لحظة تاريخية تثبت للعالم ان هناك تناقظآ كبيرآ بين الأقوال والأفعال !!!! وأنت أعلم منا بالتاريخ النضالي ضد قوى الاستبداد والشر ! في جبال كردستان الحبيبة !! ونحن نفهم ان القيم هي واحدة لاتتغير في كل زمان ومكان !! وأظنك ياسيدي تفهم ماأقصد وما أعنيه ، وعلى كل حال وبصفتي ناشطآ في مجال حقوق الانسان .. هل يحق لك ياسيدي الرئيس تطبيق الأنظمة والقوانين المرتبطة بحقوق الانسان الموجودة في الغرب على أرض الواقع وفي البلد الذي ترأسه الآن... والجواب سيكون قطعيآ كلا .. لأختلاف الثقافات والأديان والحضارات ولكي نقرب الفكرة للقارئ العزيز نضرب لكم بعض الأمثلة العملية على ذلك ..
أولآ : الاباحة الجنسية هي حرية لكل الأفراد في بلاد الغرب ... هل يجوز تطبيق ذلك على العراق مثلآ !؟
ثانيآ : زواج المثليين معترف به رسميآ وهو مقبول ويسجل في بعض الكنائس في اوربا وأمريكا .. فهل يمكن فعله في العراق ؟؟
ثالثآ : الاعدام معترف به دوليآ ومطبق في بلدان كثيرة من العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وحتى نكون دقيقين حيث ترفض بعض الولايات الأمريكية من تطبيق العقوبة فيها !! فلماذا نستجيب نحن لنداءآتهم بالغاء عقوبة الأعدام وهم يطبقونها على أراضيهم أليس ذلك تناقضآ عمليآ وثغرة قانوية في مجال حقوق الانسان والقانون الدولي ... وبعد ذلك نرجع السؤال الى السيد رئيس الجمهورية وهو انك قد وقعت على الوثيقة بصفتك عضو في الاتحاد الاشتراكي وبصفتك زعيميآ كرديآ مناضلآ وكان ذلك في شبابك وكنت تمثل نفسك وحزبك واليوم أصبحت رأيسآ لجمهورية العراق وأقسمت على المصحف بان تقوم بأداء واجباتك أمام الشعب والوطن وبما ينص عليه الدستور بكل أمان واخلاص ...!! أليس ذلك تناقضآ في القسم والولاء ؟؟؟؟
ياسيادة الرئيس هل تريد المزيد ؟ فلدي الكثير ماأزيد !! وما نرجوه منكم الآن الوقوف والعمل بالحقائق التي لديكم وجنابكم مخير بالعمل بها .. فاما العمل بالقوانين الوضعية أو تطبق الشريعة والقانون الالهي ..وقد نجد تشابهآ هنا وهناك في التشريعات السماوية والتشريعات الوضعية فان سلمنا بالماضي البابلي وتشريعات حمورابي والتي انطلقت منها معظم التشريعات الوضعية الى يومنا هذا سنجد نصآ واضحآ في قانون العقوبات والقصاص وسنأتي عليها :
أولآ : التشريع السماوي :
سورة البقرةيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178 (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179 البقرة)
الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194 البقرة)
سورة النساءوَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍمُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92 النساء)
سورة المائدةوَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45 المائدة(
سورة النحلوَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ (126 النحل(
سورة الحجذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60 الحج)
سورة الشورىوَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40 الشورى)المرجع عالم النور
ثانيآ : التشريع الوضعي : ان التشريعات القديمة كانت تقر عقوبة الاعدام على نطاق واسع ولعدد كبير من الجرائم حتى عرفت تشريعات حمورابي بالأقسى على مر التاريخ وقد نص عقوبة الموت 34 مرة ومما جاء في تشريعاته ...هو العين بالعين والسن بالسن .ومع التطور الذي حدث في المجتمعات ، تغيرت وجهة النظر في هذه العقوبة ، وكان هناك اجماع على ابقاء هذه العقوبة ، ولكن يجب أن تقتصر على مجرد ازهاق الروح من دون تعذيب ، وان تطبق على أخطر الجرائم وهذا مايعمل به اليوم ويطبق في بلدان العالم المتحضرة ..
وحتى نكون واضحين في طلبنا من السيد رئيس الجمهورية الاستاّذ مام جلال الطالباني هو الاسراع في التوقيع ومنه شخصيآ وعدم التسويف واضاعة الوقت لان كل لحظة تأخير في تنفيذ حكم الاعدام وتطبيق القانون وارجاع الجزء البسيط جدآ من حقوق الضحايا وعوائلهم ستلاحقنا بالويلات والمصائب وستجر البلاد والعباد الى متاهات ونزاعات عشائرية وطائفية وستعيدنا الى نقطة الصفر ، وطلبنا الأخوي من السيد رئيس الجمهورية مراعاة مشاعر الناس وعوائل الضحايا وعدم اطلاق التصريحات المؤلمة والبعيدة عن واقع الشعب والأمة ولتذكير السيد الطالباني بتصريحاته الاستفزازية ...
أولآ : لن اوقع على اعدام صدام وسأغيب في يوم اعدام الطاغية الأكبر !!!!!!!!
ثانيآ : لن اوقع على اعدام وزير الدفاع السابق سلطان هاشم لأن الرجل سلم نفسه بعد أخذه الأمان مني ..
ثالثآ : لن أوقع على قرار اعدام طارق عزيز وأتعاطف معه كونه مسيحيآ واشتراكيآ مثلي ..
رابعآ : لن أوقع على المدانين الارهابيين والذي وصل عدد ضحاياهم بالمئات وزعيم العصابة المجرم فراس الجبوري .. ( صاحب مجزرة عرس التاجي ) الذي يشغل منصب مسؤول في احدى الحركات !! وادعائه بالانتماء لمنظمة حقوق الانسان وهو كذب محض والمنظمة منه ومن أمثاله براء ..
اعلم ياسيادة الرئيس ان توقيعك هذا ثمنه 30 مليون عراقي فأيهما لك أبدى ؟؟؟؟؟؟؟؟ احترامك لتوقيعك والوفاء للمعاهدات والمنظمات الدولية أم الوقوف مع الشعب ولا مراعاة للمجرمين والأرهابيين ......؟؟!!!!!!واما الدعوة الصادقة الى شعبنا الأبي بالتظاهر السلمي وابداء رأيه الصريح في الرفض التام لسياسة المجاملات والمهادنات والطلب من سيادتكم التوقيع على اعدام الارهابيين والمدانين وبدون أي اسثناء ...
علي الموسوي رئيس منظمة حقوق الانسان في العراق / هولندا
https://telegram.me/buratha