حافظ آل بشارة
مرة أخرى يعبر النظام الديمقراطي في العراق عن هشاشته ، وضحالة القناعات التي يحملها دعاته وادعياؤه من كل المشارب ، خلاف بين شخصين أو حزبين يمكن ان يعيد القوم الى جاهليتهم وكل منهم يرفع شعار (ليخرجن الاعز منها الاذل) فينشغل كل طرف منهم باعداد القوة ورباط الخيل لمواجهة يكون المهزوم الوحيد فيها هو العراق ، شتائم ونوبات جدل عقيم وتهم متبادلة قد توصل الموقف الى حافات خطيرة ، لو كانت هناك قضية مهمة فلا بأس فكل هذا ليس سببه الحرص على خدمة الشعب العراقي ، ليس سببه الشعور بالغضب بسبب تفاقم أزمة الأمن والخدمات ، ليس سببه فشل اصلاح البطاقة التموينية ، ليس سببه ارتفاع نسب البطالة والفقر ، ليس سببه الانهيار الامني والعمليات الارهابية اليومية ، هذه مواضيع غير مهمة لكي يدور حولها الجدل الغاضب ، فرجل السلطة لا يشتم زميله لأن ملايين الناس يجلبون الماء الى بيوتهم على ظهور الحمير في بلد النهرين ، لا يشتمه لان ملايين الناس يسكنون في اكواخ صفيح في بلد موازنته هذه السنة تصل الى مئة مليار دولار ! نعم هذه موضوعات تافهة ولا تهتز لها شوارب الرجال ، تهتز الشوارب بسبب فقدان الغنائم الشخصية والحزبية ، البلد يدخل الى نفق مظلم طيلة ايام والناس ايديهم على قلوبهم لأن شخصا ما يشعر انه مظلوم ولم يأخذ حصته الشخصية ويجب ان تنقلب الدنيا لأجله ويصبح البلد والشعب على كف عفريت ، طاقات واموال وجهود كلها تهدر وتسخر لخدمة هذا التناحر العقيم ، ويصبح هذا الملف فرصة ثانية لاستخدام مآسي الشعب ومظلومياته الكبرى لخدمة مصالح اشخاص ، مرة اخرى تزدهر نظرية حراس المكونات ، عندما ترسم صورة لمكونك الاجتماعي كمهدد بالانقراض واذا لم تقف بوجه المؤامرة فأن هذا المكون سيصبح من الاقوام المنقرضة كالهنود الحمر ، الناس يعرفون حقيقة الفلم الملون ويضحكون في سرهم ، يعلمون ان الدفاع عن الناس المستضعفين مجانا يحتاج الى شحنة قوية من الغيرة والايثار والرقي الاخلاقي وهي صفاة مفقودة لدى معظم المصارعين الجائلين على حلبة الوطن . وبينما العاصفة في ذروتها قيل ان عطلة مجلس النواب قد انتهت وانه سيعود الى قاعته المهيبة فيعيد النظام وتسكت الاصوات المتشابكة وتهدأ المهاترات ويقول كلمته الفصل ، لكن فوجئ الناس ببرلمانهم وهو يتجاهل الضجيج الهائل خارج قاعته ، يتجاهل الترجمة الفورية لخلافات الشركاء الى لغة العبوات والكواتم ، يجلس النواب هادئين هامسين لبعضهم ثم يقرأون مشاريع قوانين لا يحتاجها أحد تحت تبريد شديد الوطأة ، كأن هذا الحريق في بلد آخر ، هل هذا اعتراف رمزي من مجلس النواب بهامشيته الوراثية القاهرة التي سببتها هيمنة الكتل ؟ ام انه تمويه ذكي لكي يفاجئ اللاعبين الكبار بقرارات تجعلهم يفقدون صوابهم ويندمون على مافعلوه ثم يطلبون العفو من المؤسسة التشريعية وهم آسفون ؟ ربما يحدث ذلك .
https://telegram.me/buratha