حسن الهاشمي
سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري، بل إنها هي التي علمت الصبر كيف يصبر إزاء ما يواجه من محن وصعوبات وبلايا وكروب، تلك المعلمة غير المتعلمة والفهمة غير المفهمة التي علمت وأفهمت الإنسانية معنى التصبر والتجلد والتحمل والأناة في سبيل المبدأ وفي سبيل الهداية والرشاد، تارة يتحمل الإنسان المشاق في سبيل مكابدة الحياة القاسية ليعيش حرا كريما دونما احتياج لاسيما إلى شرار الخلق ذلك جيد، والأجود منه أن يتحمل المشاكل والنوائب تصليه لإيصال كلمة الحق إلى آخر نقطة على هذا الكوكب، هدفه وديدنه أن يحمل معول التحدي ليهشم رأس الصبر بحلمه وأناته ريثما تتذوق البشرية طعم الحرية، هذا النوع من الصبر كانت تتمتع به السيدة الحوراء لإسداء معروفها ليس على معاصريها فحسب بل على الإنسانية وفي كل زمان ومكان. السيدة زينب عليها السلام حفيدة الرسول، المشعل الذي أنار الدرب للثائرين من أجل العقيدة، البطلة التي أجّجت الثورة في وجه الباطل، ومزّقت دنيا الظالمين، وجعلتها أرقا يلاحقهم أينما حلوا وأينما ارتحلوا، ما زالت كلماتها كالسياط تنهال على عواتقهم موبخة: (كد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فو الله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد)، ما زالت تلك الكلمات الصاعقة تتلوى على أفئدة الظالمين وتجعلها ملتاعة متضجرة مرتابة تنتظر حظها العاثر على حين غرة، طالما الإسفاف والسقوط ينتظرهم على أيدي من أكتووا بنار حقدهم وطيش جهالتهم وتمادي ظلمهم وجورهم ونزق شهواتهم وميولهم الشخصية، نعم باتت عروشهم مهددة ما دام من يعيش بأوساطهم أناس قد ارتشفوا من نبع حسين الثورة وزينب الكلمة وسجاد الحكمة، الذين علموا الإنسانية وما زالوا كيف يواجهون الطغاة المارقين الفاسدين، وكيف يقولون للعهر والفساد والظلم لا وبمليء الأشداق. السيدة زينب عليها السلام بضعة الزهراء، التي تحمّلت المسؤولية كاملة بصمود وإخلاص في أداء الرسالة الخالدة، والتي شاركت في الدّور القيادي للدعوة وامتداد كلمتها، تتحدى الطغاة بما تحمل من فكر وقاد وحكمة متأججة وثقافة هادفة، إنها مسؤولية ضخمة ولا ضخامة الجبال الشاهقات، مسؤولية تصحيح المسار والضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه التلاعب بمقدرات الناس بمعتقداتهم بأموالهم بأعراضهم بحريتهم بدمائهم بكل صغيرة وكبيرة تتعلق بمجرى حياتهم، تلك المسؤولية التي تحمل الأنبياء والأوصياء والصالحين إزاءها المشاق والمصاعب لكي نعيش نحن من بعدهم أحرارا لا يستعبدنا الطغاة ولا يستضعفنا المجرمون مهما تمادوا ومهما توغلوا في ظلمهم وشيطنتهم، فإن شبح الصرخة الزينبية ما زال يطاردهم وينغص عليهم معيشتهم ويجعل حياتهم التي يختالونها هانئة يجعلها سرابا قفرا تكون عبرة لمن اعتبر في زمن كثرت فيه العبر وقل المعتبر.
https://telegram.me/buratha