كريم الوائلي
التحولات والاصطفافات في الفاعل السياسي امر طبيعي وصحي ، بل ، هو من سمات وخصائص علم السياسة كونه فاعل متحرك ومتحول ، واذا كان لا يخيفنا ولا يدهشنا سقوط الاوراق في الخريف كذلك فأن التحولات السياسية هي الاخرى لا تثير المخاوف ولا تدهش المراقب وعلى ذلك لا يمكن الابقاء على وصفة سياسية بعينها كدواء لعلاج الازمات وتنشيط التحولات في كل وقت وحين وقد دلت التجربة على ان لكل مرحلة وصفتها الخاصة على اعتبار ان الفاعل السياسي لا يكرر نفسه وعند قراءة المنجز التاريخي للفاعل السياسي نجده رهين بعصره وياتي هذا على نقيض الفاعل الثقافي الرهين بكل العصور ، فالمنجز الثقافي يقاوم الزمن ويفرض افاضاته الحضارية . ان التحولات الوطنية التي يشهدها العراق مهما كانت بطيئة ومتلكأة فأنها تلقي بتأثيرها التغييري على البنى الفوقية بشكل من الاشكال ويبدو هذا واضحا في المجتمع العراقي بعد التغيير السياسي الذي حصل بعد عام 2003 وما طرأ من تغيير على المستويات الاقتصادية لحياة المواطنيين ، وغالبا ما يتبع الارتفاع في مستوى المعيشة حاجات ثقافية جديدة تجعل من الفاعل الثقافي يضغط بقوة على المسار السياسي ويفرض عليه اطر جديدة للمنجزات الاقتصادية ومفردات مبتكرة للخطاب السياسي وخدمات ثقافية بحتة ، وما نراه اليوم من تردي في العلاقات السياسية واشاعة الخطاب التجريحي المتشنح هو نتاج لتخلف الفاعل الثقافي عن الفاعل السياسي ، وقد غالت الحكومة كثيرا في اهمال الجانب الثقافي بالتزامن مع التردي المستمر للخدمات والامن وتصاعد التنابز السياسي الامر الذي اشاع المشهد التجهمي على حياة المواطنين . وكان لجولة سماحة السيد عمار الحكيم في اشهر معلم عراقي ثقافي عريق ، ونعني به شارع المتنبي ، هو تدشين لمرحلة جديدة في التعاطي السياسي المؤطر بأطار ثقافي يلقي علي المشهد السياسي قدرا من الشفافية والمخملية وندعوا السياسيين الى ان يمارسوا ما ذهب اليه السيد رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي . ومن المؤسف ان نجد اليوم اجواءنا مشبعة بالضجيج السياسي الذي يفعل فعل المبضع الجارح في مشاعر الناس واحاسيسهم من قبل سياسيين مصابون بمرض العوز الثقافي المزمن ومدمنون على التنابز والتخديش . ان السياسة بوصفها ارقى العلوم تتطلب ممن يمتهنها ان يكون ملما بالمنجز الثقافي ومتبني له ويتمتع بقدر كاف من الرؤى الثقافية التي تجعل من الفاعليين السياسي والثقافي بأتجاه واحد وتدل الملامح الجديدة للمشهد العراقي ان المرحلة القادمة هي مرحلة تشوبها المناقلة بين المثاقفة والتثقيف الى جانب الفاعل السياسي الامر الذي يدعو الى تحريك وتفعيل الاجناس الثقافية من فنون وآداب وغيرها .
https://telegram.me/buratha