المقالات

الخروج من عنق الزجاجة

592 15:40:00 2011-06-19

السيد حســـين الصـــدر

الخروج من عنق الزجاجة

العراق ليس مزرعةً للسياسيين يقتسمون ثمارها ، ويستأثرون بمواردها وخيراتها ، دون سواهم من المواطنين ، وانما الدولة هي الام الحاضنة لكل ابنائها ، أياً كانت أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم ، وهم يتساوون في الحقوق والواجبات ، بدون تمييز ، ويتكافئون في الفرص المتاحة لهم سواءً بسواء .ولقد كانت الدولة في ظل الدكتاتورية الغاشمة البائده ، ملكاً صرفاً ( للقائد الضرورة ) يتصرف فيها كيف يشاء دون منازع ، والويل ثم الويل لكل من عاند وكابر ، فلاحق لأحد في الأعتراض على قراراته وممارساته ...!!!أما " الحزب " و " المؤسسات " و " الاجهزه الرسمية " و "الدوائر الأخرى " فهي قنوات تنفيذيه تنفّذ من دون نقاش ....وهكذا عاش العراق ، طيلة رَدْحٍ من الزمن ، تَجَاوزَ ثلاثة عقود ، غارقاً بالمظالم ، والجرائم ،والحروب ،والمغامرات الطائشة ، والمقابر الجماعية واشاعة ثقافة الاستهتار بحقوق الانسان وكرامته ، حتى بات الانسان العراقي أرخص السلع في سوق الطغيان والتوحش الفظيع ، بعيداً عن كل المواضعات والقيم الدينية ، والسياسية والأخلاقية ، والانسانية والحضارية والأجتماعية .وانّ ما يعانيه العراق اليوم من أهتزازات وتداعيات ، يرجع في جزء منه الى تلك التركة الثقيلة التي خلفها النظام المقبور بعد أن اختلطت الاوراق وتغيرت الطباع وفسدت الاخلاق .ان الولاء الشخصي للطاغية ، كان الأساس في توزيع المناصب والحقائب المهمة .ومن هنا ، كان يمكن لنائب عريف في الجيش ، ان يمنح أعلى الرتب العسكرية جزافا ، وتسند اليه المناصب العليا استناداً الى ولائه الخالص العميق للقائد الضرورة !! وأعتماد الولاء الشخصي قاعدة في توزيع المناصب الحكومية ، لن يقود الى احراز نقلة نوعية في ميادين التقدم والأزدهار .وما يُبنى على الباطل لن تكون له المردودات الأيجابية المطلوبة يقينا .انّ حفنة من المجرمين أمثال " علي حسن المجيد " و " طه ياسين رمضان" و " محمد حمزة الزبيدي " واضرابهم ، كافية للتدليل على عمق ذلك الاتجاه المحموم القائم على اعتماد الولاء الشخصي معياراً في اسناد الحقائب والمناصب .والاّ فما علاقة " طه ياسين رمضان " بالصناعة مثلاً ؟وأين هو من تفهم أسرارها ، فضلاً عن النجاح في تطوير عجلتها ؟!!هناك مقولة للنجاح تدعو الى وضع الرجل المناسب في الموضع المناسب وهو مبدأ صحيح ، وحين يتم التعيين وفقاً لهذا المبدأ ، تجد الناس على أختلاف ثقافاتهم وتياراتهم ، يرحبون بهذا التعيين ويثنون عليه ، ويسقطون من الحساب الاعتراضات الناشئة من حسابات شخصية أو مصلحيه .والسر واضح .ان هذا التعيين - وضع الرجل المناسب في الموضع المناسب - جاء متناغماً مع المعايير الموضوعية من جانب .وجاء بدوافع وطنية خالصة من جانب آخر، الامر الذي يبشر بوضع واعد ، ومستقبل زاهرٍ صاعد .وكنا نأمل ان تنتهي مهزلة التعيين ، استناداً الى الولاء الشخصي ، بأنتهاء الحكم الشوفيني القمعي الدموي البائد ،ولكننا للأسف ، نصطدم بأرقام وشواهد كثيرة ، تؤكد ان هذا النهج ما زال قائماً في العديد من المؤسسات والاجهزة الحكومية .والاّ فما معنى التعويل على الأبناء ، والاقرباء والأنسباء في مفاصل الدولة ومؤسساتها ؟ومن الذي يستطيع إقناعنا بأن هؤلاء هم الأكفأ والأقدر على أداء المهام الموكلة اليهم من غيرهم ؟!!انها لمفارقة محزنة حقاً ان يشترك العهدان ( الدكتاتوري ) و ( الديمقراطي ) باعتماد مبدأ الولاء الشخصي في كثير من التعيينات ...!!انّ اسناد المناصب الى غير المؤهلين ، يثير أيضاً ، هجاء الشعراء لأولئك المنصوبين وفقاً للأهواء ، بدلاً من المهنيين الأكفاء .ومن طريف ما قرأت في هذا الباب هجاء أحد الشعراء مخاطباً احد أولئك قائلاً :أبكي وأندبُ بهجة الأسلامِاذ صِرتَ تقعُد مقعَد الحُكاّمِ إنَّ الحوادث ما علمتُ كثيرةٌ وأراكَ بعضَ حوادثِ الأيامِ

وهكذا تغدو حادثةُ أسناد منصب مهم ، لمن لا يملك الأهلية اللازمة ، سبباً موجباً للحزن والبكاء على الوطن ، وان تلك الحادثة تحمل في طياتها معنى الكارثة .ان الكتل السياسية حين تدفع ببعض العناصر البعيدة عن أمتلاك ناصية القدرة والخبرة ، الى موقع وزاري مهم ، تشارك هي الأخرى في رسم الصورة القاتمة للخارطة السياسية العراقية ، وتقيم الدليل العملي على استهانتها بالقيم الموضوعية والوطنية أيضاً .ان بقاء مشكلة المتورطين بالفساد المالي والأداري دون حلول جذرية حتى الآن ، ترتبط بهذه النزعة الفئوية المقيته تحديداً .وكبش الفداء في كل هذه الحالات هو المواطن العراقي ، الذي لم يُكافأ ، على صبره وصموده ومشاركته في الأنتخابات رغم المشاق والصعاب بغير الوعود الكاذبة ، والتسويف والمماطلة ، والالتفاف على مطالبه المشروعة ، وحاجاته الانيه .انّ التغيير لا يأتي من الخارج ، ولا يفرض بالإكراه .ان أرادة التغيير لابد ان تنبع من داخل النفس، ومتى انتصر الانسان على نفسه ، كان أقدرعلى الانتصارات الأخرى في الميادين السياسية والأجتماعية. لتكن هموم الوطن والمواطن فوق كل الهموم الشخصية والفئوية ، وبهذا نخرج العراق من عنق الزجاجة .

حســـين الصـــدر

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك