السيد حســـين الصـــدر
الخروج من عنق الزجاجة
العراق ليس مزرعةً للسياسيين يقتسمون ثمارها ، ويستأثرون بمواردها وخيراتها ، دون سواهم من المواطنين ، وانما الدولة هي الام الحاضنة لكل ابنائها ، أياً كانت أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم ، وهم يتساوون في الحقوق والواجبات ، بدون تمييز ، ويتكافئون في الفرص المتاحة لهم سواءً بسواء .ولقد كانت الدولة في ظل الدكتاتورية الغاشمة البائده ، ملكاً صرفاً ( للقائد الضرورة ) يتصرف فيها كيف يشاء دون منازع ، والويل ثم الويل لكل من عاند وكابر ، فلاحق لأحد في الأعتراض على قراراته وممارساته ...!!!أما " الحزب " و " المؤسسات " و " الاجهزه الرسمية " و "الدوائر الأخرى " فهي قنوات تنفيذيه تنفّذ من دون نقاش ....وهكذا عاش العراق ، طيلة رَدْحٍ من الزمن ، تَجَاوزَ ثلاثة عقود ، غارقاً بالمظالم ، والجرائم ،والحروب ،والمغامرات الطائشة ، والمقابر الجماعية واشاعة ثقافة الاستهتار بحقوق الانسان وكرامته ، حتى بات الانسان العراقي أرخص السلع في سوق الطغيان والتوحش الفظيع ، بعيداً عن كل المواضعات والقيم الدينية ، والسياسية والأخلاقية ، والانسانية والحضارية والأجتماعية .وانّ ما يعانيه العراق اليوم من أهتزازات وتداعيات ، يرجع في جزء منه الى تلك التركة الثقيلة التي خلفها النظام المقبور بعد أن اختلطت الاوراق وتغيرت الطباع وفسدت الاخلاق .ان الولاء الشخصي للطاغية ، كان الأساس في توزيع المناصب والحقائب المهمة .ومن هنا ، كان يمكن لنائب عريف في الجيش ، ان يمنح أعلى الرتب العسكرية جزافا ، وتسند اليه المناصب العليا استناداً الى ولائه الخالص العميق للقائد الضرورة !! وأعتماد الولاء الشخصي قاعدة في توزيع المناصب الحكومية ، لن يقود الى احراز نقلة نوعية في ميادين التقدم والأزدهار .وما يُبنى على الباطل لن تكون له المردودات الأيجابية المطلوبة يقينا .انّ حفنة من المجرمين أمثال " علي حسن المجيد " و " طه ياسين رمضان" و " محمد حمزة الزبيدي " واضرابهم ، كافية للتدليل على عمق ذلك الاتجاه المحموم القائم على اعتماد الولاء الشخصي معياراً في اسناد الحقائب والمناصب .والاّ فما علاقة " طه ياسين رمضان " بالصناعة مثلاً ؟وأين هو من تفهم أسرارها ، فضلاً عن النجاح في تطوير عجلتها ؟!!هناك مقولة للنجاح تدعو الى وضع الرجل المناسب في الموضع المناسب وهو مبدأ صحيح ، وحين يتم التعيين وفقاً لهذا المبدأ ، تجد الناس على أختلاف ثقافاتهم وتياراتهم ، يرحبون بهذا التعيين ويثنون عليه ، ويسقطون من الحساب الاعتراضات الناشئة من حسابات شخصية أو مصلحيه .والسر واضح .ان هذا التعيين - وضع الرجل المناسب في الموضع المناسب - جاء متناغماً مع المعايير الموضوعية من جانب .وجاء بدوافع وطنية خالصة من جانب آخر، الامر الذي يبشر بوضع واعد ، ومستقبل زاهرٍ صاعد .وكنا نأمل ان تنتهي مهزلة التعيين ، استناداً الى الولاء الشخصي ، بأنتهاء الحكم الشوفيني القمعي الدموي البائد ،ولكننا للأسف ، نصطدم بأرقام وشواهد كثيرة ، تؤكد ان هذا النهج ما زال قائماً في العديد من المؤسسات والاجهزة الحكومية .والاّ فما معنى التعويل على الأبناء ، والاقرباء والأنسباء في مفاصل الدولة ومؤسساتها ؟ومن الذي يستطيع إقناعنا بأن هؤلاء هم الأكفأ والأقدر على أداء المهام الموكلة اليهم من غيرهم ؟!!انها لمفارقة محزنة حقاً ان يشترك العهدان ( الدكتاتوري ) و ( الديمقراطي ) باعتماد مبدأ الولاء الشخصي في كثير من التعيينات ...!!انّ اسناد المناصب الى غير المؤهلين ، يثير أيضاً ، هجاء الشعراء لأولئك المنصوبين وفقاً للأهواء ، بدلاً من المهنيين الأكفاء .ومن طريف ما قرأت في هذا الباب هجاء أحد الشعراء مخاطباً احد أولئك قائلاً :أبكي وأندبُ بهجة الأسلامِاذ صِرتَ تقعُد مقعَد الحُكاّمِ إنَّ الحوادث ما علمتُ كثيرةٌ وأراكَ بعضَ حوادثِ الأيامِ
وهكذا تغدو حادثةُ أسناد منصب مهم ، لمن لا يملك الأهلية اللازمة ، سبباً موجباً للحزن والبكاء على الوطن ، وان تلك الحادثة تحمل في طياتها معنى الكارثة .ان الكتل السياسية حين تدفع ببعض العناصر البعيدة عن أمتلاك ناصية القدرة والخبرة ، الى موقع وزاري مهم ، تشارك هي الأخرى في رسم الصورة القاتمة للخارطة السياسية العراقية ، وتقيم الدليل العملي على استهانتها بالقيم الموضوعية والوطنية أيضاً .ان بقاء مشكلة المتورطين بالفساد المالي والأداري دون حلول جذرية حتى الآن ، ترتبط بهذه النزعة الفئوية المقيته تحديداً .وكبش الفداء في كل هذه الحالات هو المواطن العراقي ، الذي لم يُكافأ ، على صبره وصموده ومشاركته في الأنتخابات رغم المشاق والصعاب بغير الوعود الكاذبة ، والتسويف والمماطلة ، والالتفاف على مطالبه المشروعة ، وحاجاته الانيه .انّ التغيير لا يأتي من الخارج ، ولا يفرض بالإكراه .ان أرادة التغيير لابد ان تنبع من داخل النفس، ومتى انتصر الانسان على نفسه ، كان أقدرعلى الانتصارات الأخرى في الميادين السياسية والأجتماعية. لتكن هموم الوطن والمواطن فوق كل الهموم الشخصية والفئوية ، وبهذا نخرج العراق من عنق الزجاجة .
حســـين الصـــدر
https://telegram.me/buratha