المقالات

ضربة جزاء بين فريق الاغلبية وفريق الترشيق /

808 13:49:00 2011-06-19

حافظ آل بشارة

في اطار التوقعات التي تتناول مصير حكومة الشراكة العراقية الحالية بعد انتهاء المئة يوم كان أحد الخيارات المطروحة تشكيل حكومة اغلبية سياسية ، اي جعل الكتلة الاكبر المتمثلة بالتحالف الوطني (حوالي 160مقعدا) تشكل الحكومة على اساس استحقاق انتخابي دستوري مجرد من اي اعتبارات أخرى ، او تكوين اغلبيات جديدة ، وهذا غير ممكن في العراق حاليا ، صحيح ان هذا النوع من الحكومات هو السائد في الدول الديمقراطية ، واقرب مثال للعراق تركيا وهي تشهد فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الثالثة على التوالي وتشكيله حكومة اغلبية سياسية بشكل متكرر ، ومن حسنات حكومة الاغلبية السياسية انها ناتجة من اسلوب قانوني يحترم نتائج الانتخابات ويخضع لها ويجعل الناخب يشعر باهمية مشاركته الانتخابية بينما حكومة المحاصصة او الشراكة تمثل نوعا من الالتفاف على نتائج الانتخابات بمبررات معقولة احيانا مما يقلل من مصداقيتها في نظر الناخب وابطال رغبته في المشاركة في اي انتخابات مقبلة ، ومن حسنات هذا الاسلوب انه يسهل تشكيل الحكومة من طاقم متجانس في رؤيته الاديولوجية والادارية ومتقارب في مزاجه وعلاقاته التنظيمية ، مع ضمان تعاون اكثر لانجاح برامج الحكومة لأن الحكومة المؤلفة من تحالف واحد او حزب واحد بطريقة الاغلبية تشعر بالخطر من الفشل فتلجأ الى اعلى مستويات التعاون لحفظ مستقبلها السياسي ، فيما تعاني حكومة المشاركة الواسعة من تربص الاطراف المشاركة ببعضها ووجود حرب خفية وتنافس يؤدي الى شل الجهد التنفيذي اضافة الى احتمال وجود الغام داخل حكومة الشراكة الواسعة زرعت لافشال التجربة لصالح طرف يخدمه فشل الآخرين وهذا يعني تحويل الحكومة الى ساحة قتال بين الاحزاب ، عند ذلك يصبح مسحيلا تسجل اي نجاح على اي صعيد ، ومثال ذلك الحكومة العراقية الحالية فهي حكومة شراكة واسعة لم يكن هدف المشاركة فيها تحقيق خدمة أو منجز فالخبراء والساسة المتصدون يعلمون علم اليقين ان مثل هذه الحكومة لا يمكنها ان تقدم منجزا يعتد به على صعيد التنمية او الاعمار او الأمن فهي لم تستحدث لهذا الهدف بل شكلت بهذه الطريقة لتحقيق الهدوء ونزع فتيل الازمة السياسية واقناع الاطراف الغاضبة بعدم استخدام العنف لتحقيق اهدافها ، فهذه الحكومة كانت مطلوبة لحماية ارواح الناس من الانتقام الذي يمكن ان تمارسه الاطراف التي تعتقد انها مظلومة سياسيا وردا على تلك المظلومية عليها ان تلجأ الى تنفيذ اعمال ابادة تستهدف المدنيين ، تشكلت حكومة الشراكة لمنع الابادة وحقن الدماء وليس لتقديم خدمات او حل مشاكل لذا يبدو من الغريب مطالبة هذه الحكومة بمنجزات تنفيذية . وطبقا لهذه الحقائق فكل من يتحدث عن حكومة اغلبية سياسية في هذه الظروف يبدو غير مدرك لما يدور حوله ، فلو كانت حكومة الاغلبية السياسية ممكنة لتم الأخذ بها ابتداء في تشكيل الحكومة الحالية التي استغرق تشكيلها سنة كاملة ولم تكتمل بعد ! على من يدعو الى حكومة اغلبية سياسية ان يلاحظ حقائق الميدان في العراق واهمها ان المشتركين في ترتيبات العراق مابعد السقوط مختلفون على الصعيد الاديولوجي وليست خلافاتهم مطلبية فهناك طيف مهم من القوى الوطنية لا يؤمن بالنظام الديمقراطي ولا يفهم معناه وما زال متمسكا بفلسفة الحكم المركزي العسكري وربما الطائفي ، ولديه غموض في فهم قضية الحريات وحقوق الانسان وغير ذلك من مفاهيم الادارة والسياسة ، وهذا يعني غياب الرؤية الوطنية الاديولوجية الموحدة في مشروع الحكم في البلاد وهذا يؤدي الى فشل تبادل الادوار بين القوى كقوى حاكمة وقوى معارضة دستوريا في دولة موحدة ، فالمعارضة الدستورية يشترط في عملها وحدة التوجه الفكري مع القوة الحاكمة وانعدام التناقض الراديكالي بين الفريقين واستخدام كليهما الاليات والافكار نفسها في الوصول الى السلطة ، اما اذا كان الخلاف راديكاليا كما في العراق الآن فعندما تتشكل حكومة اغلبية سياسية فان الطرف الآخر لن يكون معارضا هادئا تحت قبة البرلمان بل سيكون متمردا ومحاربا لانعدام السقف الموحد او الخيمة الموحدة التي تجمع الحكومة والمعارضة . وفي النتيجة يبدو ان البقاء على حكومة المشاركة الواسعة الحالية المؤلفة من 42 وزارة هو مسار يقود نحو مزيد من الفشل ، اما تشكيل حكومة الاغلبية السياسية فهو حل يبدو انتحاريا في المدى المنظور ، وهنا لابد من العثور على حل يكون امرا بين الامرين ، وافضل حل هو ذلك الذي نادت به القوى المنصفة انه اصلاح الحكومة الحالية واعادة توليفها واخراجها باجراء حذف في بعض فقراتها ، اي القيام بعملية ترشيق مدروس فاذا كانت فكرة بناء الحكومة الواسعة الحالية قد استندت على الكيل بسخاء للجميع ليغترفوا الوزارات ، يمكن بالطريقة نفسها استعادة جزء من الاستحقاقات الممنوحة بالتساوي لتقليل جمهرة الوزارات واختصارها ، ويمكن ان يستند الترشيق الى قواعد كدمج الوزارات المتشابهة ، واعفاء الوزراء الذين فشلوا في برنامج المئة يوم ، ثم مطالبة الوزارات بتقديم برامج عملها لدورة كاملة مع سقوف زمنية وتكاليف وموارد ، وفي هذا الاطار هناك ظاهرة خطيرة فالدولة عندنا تستحدث الوزارة للاسترضاء ثم تبحث لها عن عمل بينما الوضع الطبيعي يتطلب ان تحدد الدولة مهمات الحكومة المرسومة في الدورة المقبلة لمختلف القطاعات ثم تشكل لاجلها الوزارات والهيئات ، ترشيق الحكومة واصلاحها يتطلب اولا تغيير ثقافة القوى السياسية وجعلها تؤمن بان الوزارات وسيلة لتنفيذ اعمال وليست غاية ، يجب ان تكون لدى الدولة العراقية رؤية واضحة واجوبة مفصلة حول ما تريد عمله لدورة حكومية كاملة وعلى ضوء تلك المهمات تشكل الوزارات وليس العكس. وليكن واضحا ان كلا من حكومة الاغلبية السياسية او حكومة الشراكة الموسعة من ناحية الاهداف لا يختلفان لان النجاح يتعلق بتوفر تخطيط سليم ونزاهة في تداول الاموال وشعور بالمسؤولية وخبرة في الادارة وتشغيل المختصين والتكنوقراط حسب الاعمال وتنمية الطاقات ، وهذه قيم سياسية وحضارية وليست اصباغا وليست قضية تغيير تسميات من الشراكة الى الاغلبية ، فاذا استمر الفساد مثلا فان فساد الاغلبية السياسية اخطر من فساد المشاركة الواسعة وهكذا في كل الملفات الأخرى .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك