عبد الكريم ابراهيم
الرصافة تورمت بأهلها وهم يبحثون عن نفس هواء في ظل ضجيج المولدات وسموم السيارات .حملت حالتها المتعبة على عكاز ذكريات الماضي و(درابين المحلة ) الضيقة و(شدة ياورد ،من هي الورد ) (وعلى شواطي دجلة مر ) و(طير كرخي للرصافه شجابه ).حملت مكابداتها شاكية لاختها الكرخ بعد ان لملمت همومها على رأسها لعلها تجد ملجأ تدفن فيه اوجاع البغداديين حيث الضفة الثانية .كان عليها النهوض مبكرا مع اول اطلالة لسرب بائعات قيمر العرب و( النباشه ) الباحثين عن لقمة العيش وسط نفايات الغير . المسافة التي كانت تقطعها في السابق ب( عربة الربل ) اصبحت اليوم متمدة بشوارعها التي لايعرف لها شكلا ولا لونا حيث اضحت عبارة عن الازدحامات واصوات منبهات لاتتوقف عن العويل ، العشوائيات جعلت من المدينة مغارة صغيرة وابواب متراصفة الى بعضها البعض . شدت الهمة في رؤية اختها الكرخ بعدما هزها الشوق وتسارعت دقات القلب لتوأمها الثاني . فكرت في البداية ان تختصر الطريق وتطوي المسافة في اسرع وقت ممكن واختيار الافضل حيث جسور التواصل التي بنتها العوائل البغدادية على نهر دجلة .مشكلة الرصافة انها تسكن اطراف المدينة وكان عليها ان تركب سيارات ( الكيا ) عند (كراج ) نهاية السدة مرورا بمدينة الصدر ،لكن الازدحام قتل جملة الاشواق وجعلها تبرد في ذروة الصيف القائض ، عندها بدأ سائق (الكيا ) يفكر في اختصار الطريق والابتعاد عن ضوضاء السيارات التي اتخمت المدينة ، الخط السريع بدا بطيئا كالراكب على ظهر سلحفاة ،وكان عليه ان يغير اسمه عند اقرب امين للسجل المدني ، باب الشرقي بين نصب الحرية و(التانكي ) مرورا بجدارية فائق حسن ،هرج يموج باهله الباحثين عن لقمة العيش ، اما شارع الرشيد لم يبق منه سوى مذاق ( شربت الحاج الزباله ) واسطوانات ( الجاقمقجي ) التي حاصرتها اقراص ( سي دي ) واغاني ( الردح ) ، وجسر الجمهورية هاتف اخاه جسر ( السنك ) بلغة النوارس البيضاء الباحثة عن شواطئ دجلة وقدح ابي نواس ،والسيطرات غدت كأنها حب الشباب يأكل وجه المدينة الجميل .بعد ان (توسلت) الرصافة بشهامة سائق ( الكيا ) في ايجاد حل لها ، فكر جيدا في عبور العقبات ، ليتحول الى باب المعظم لعله يجده مشرعا امام العابرين ،ووقفت مدينة الطب ترنو الى بقايا حلم مشروع لاتعرف ملامحه ماخلا حفرة كبيرة اكلت مقدمة الجسر والمذياع يردد اغنية قديمة (يلراحيه لسوك الفضل كوليلي بيش الساعه ) ، عندها كر السائق عائدا ،فالاعظمية ارسلت عثمان سباحة ليخبر الكاظمية بان جسر الائمة تحت الصيانة ،وردت اخبار ان منطقة الجادرية وجسرها اصيبت بداء الدوار والصداع من الارتال التي تدخل الخضراء وتخرج منها . لم تفلح جهود الرصافة في عبور المسافة بين شطري امها بغداد ، لذا قررت استخدام الوسائل الحديثة كما اشارت عليها ابنتها، لم تجد بدا من تعبئة الموبايل برصيد يكفي لساعات الشوق الطويلة - وكلام النساء ما اكثره - ولكن هناك صوت ناعم داخل هذا الجهاز السحري كأن الجن لايقبل الخروج منه ،حتى عند اعتى التعويذات والتمائم ، هذا الصوت لايكف عن ترديد جملة واحدة فقط " الرقم الذي طلبته خارج نطاق التغطية ،حاول مرة اخرى " المحاولات الاخرى كما اشارت صاحبة الصوت الجميل ،لم تنفع وهكذا اصبحت الرصافة متحيرة فلا طرق توصلها الى اختها الكرخ ولاشبكة هواتف تشبع ضمأ الاشواق وتشد اواصر القربى غير اغنية حفظتها الدهور (اريد انشد الصوبين كرخ ورصافه ) لتعقد بحناح حمامة رسالة بعد ان عكست (طير كرخي للرصافه شجابه ) . وانتهت الحكاية !.
https://telegram.me/buratha