سامي جواد كاظم
الاجتهاد مر بمراحل اثارت جدلا بين العلماء حول جوازه وعدمه فالبعض من فقهائنا اعتبروه تجاوز على النص والبعض الاخر اعتبره استنطاق النص وبين هذا وذاك بدات تظهر للافق الامامي قواعد اصولية تساعد الفقيه على الاستنباط ، وهؤلاء اطلق عليهم الاصوليون واما الذين يتمسكون بالنص هم الاخباريون ، وانتهى المطاف بان تكون الساحة شبه خالية للاصولين ، والذي ينال الاجتهاد هو الذي يصدر رسالة تتضمن رايه بالمسائل الفقهية المعتاد عليها ( عبادات ومعاملات ) بعد اجتيازه مرحلة البحث الخارج، هذه الفتاوى هي ليست مجموعة اسئلة قدمت الى الفقهاء من قبل المكلفين واجتهدوا فافتوا وجمعوا واصدروا هذه الرسالة بل انها اجتهادات داخل نصوص تتحدث عن ابتلاءات تعترض حياة الانسان من خلال الواجبات المنوطة به مع تجنيب المكلف للحرام الذي قد يعترض عمله ، تبع ذلك في الاونة الاخيرة اصدار كتب بالافتاءات المستحدثة وهذه اغلبها تكون اجابة لمكلفين ابتلوا بها نتيجة تطور الحياة .
وهنا لابد لنا من وقفة مع الاجتهاد فالسيد الشهيد باقر الصدر يقول ان حركة الاجتهاد تكتسب اهميتها من عاملين هما الهدف والفن ، ويعقب على ماهية الهدف واسلوب الفن المتبع لتحقيق الهدف والهدف هو الاثر المتوخى تحقيقه من عملية الاجتهاد ، فان العلامة المشتركة بين الافتاءات الاجتهادية انها موجهة للفرد وفي حيز المسالة التي طلب لها فتوى ومن ثم تعمم على من يبتلى بنفس المسالة ، اما النزول الى الشارع واكتشاف مسائل تستحق فتوى لا تصل الى الفقيه فتكاد تكون معدومة وذلك لا سباب بعضها خارج ارادة الفقيه وبعضها عدم تقبل المكلف ذلك حيث ان بعض الاشكالات تحتاج الى توضيح وتفاصيل لا يستطيع الحصول عليها المجتهد وبوجه صادق ودقيق حتى تصيب الفتوى كبد المسالة .
السمة المشتركة على كل الفتاوى بانها تخاطب الفرد معتمدة على انه لو امكن اصلاح الفرد امكن اصلاح المجتمع وهذا راي صائب في الظروف الطبيعية اما مع التطور الذي غص به العالم اصبح لزاما على الفقهاء التفكير بحلول جذرية لخلق مجتمع مجتهد وليس لتقويم مكلف سائل .
على سبيل المثال لو سال مكلف الفقيه عن طبيعة التعامل مع المصارف وعملية احتساب الارباح واختلاط الاموال مع بعضها وطبيعة الاستثمار الذي يقدم عليه المصرف وتبدأ عملية الاجتهاد لاخراج المكلف من هذا المازق ، في حين لو تم معالجة طبيعة عمل المصارف فان عملية التقويم ستكون سهلة وهذا ما اقدم عليه الشهيد السيد الصدر من خلال كتابه البنك اللاربوي الاسلامي . فمن خلال هذا الكتاب يكون المجتهد قد اختزل كل المسائل التي قد يثيرها المكلف عن طبيعة عمل المصرف فعندما يعلم بان هذا المصرف يعمل وفق فتاوى المجتهد فانه يحصل له الاطمئنان في التعامل معه وهذا يحجم الشبهات والتساؤلات بهذا الخصوص.
يقول السيد الصدر باقر ان الانكماش في الهدف واخذ المجال الفردي للتطبيق بعين الاعتبار فقط نجم عنه انكماش الفقه من الناحية الموضوعية الى ان يقول وهذا ادى الى انكماش ذهن الفقيه عند الاستنباط غالبا الى الفرد المسلم بدلا عن الجماعة المسلمة .
ان تشخيص مجال الاجتهاد والهدف المرجو الذي يحدث الاثر الفاعل في المجتمع وباختزال الزمن والجهد تعد السمة الطاغية على تفكير السيد الصدر قدس سره الاجتهادي .
والشاهد الماثل امامنا عن الاثر الجماعي للفتوى عندما تتعامل مع موضوع ذو اثر جماعي هو ثورة التنباك التي بطلها السيد محمد حسن الشيرازي المعروف بالشيرازي الكبير حيث ان الاثر المطلوب تحقيقه كان جماعي ويهم البلد حيث انه لم يصدر فتوى بحرمة التدخين لانه يضر بالصحة او جوابا لسؤال وجه اليه بل لمتابعته الوضع العام الهام للمسلمين اينما كانوا ولان المفاسد التي ترتبت على ضوء هذه الاتفاقية المبرمة بين الشاه القاجاري ناصر الدين والانكليز كانت سلبية وعلى الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي اصدر فتواه الشهيرة بالتنباك
هنالك كثير من الاحكام الشرعية التي تخص الفرد تعتمد الظن والبعض الاخر يلتزم بالاحتياط فعندما تكون المسالة عامة فان هذا يولد مجتمع اما يعمل بالظن او يحتاط من الامر فيكون هو في وادي والعالم في وادي اخر ومن هنا تظهر الضرورة الى ما اشار اليه الشهيد السيد محمد باقر الصدر، فلو كان المحيط الذي يعمل به المجتهد هو الاساس الذي ولد الظن او الاحتياط فانه سيجعل من المجتمع مجتمعا فقيها يواكب التطور ، وحتى لا نكون بمعزل عن العالم الذي اكتشف كثير من مستلزمات الحياة من غير الالتفات الى راي الشارع المقدس فعندما يعمل المجتهد على معالجة اصل هذه الاستحداثات فانه يكون قد جنب الشارع الاسلامي الوقوع في الحرام كما ولا يخفى علينا وعليكم انه ليس كل من يبتلي بهذه الشبهات يسال الفقيه فالبعض هو يفتي ويجتهد لنفسه والنتيجة اما تقوقع او ارتكاب الحرام .
https://telegram.me/buratha