بقلم: الدكتور طالب الرماحي
قبل مناقشة أياً من أمور حزب الدعوة يجب علينا أولاً أن ندرك من أن الحزب بعد تسلمه السلطة في العراق فعليّا عند تولي المالكي منصب رئاسة الوزراء في مطلع عام 2005 ، قد دخل إطار اللعبة الدولية ، وهذا يعني أن سياسة الحزب الستراتيجية والتي تتعلق بالأمور الكبيرة والخطيرة داخليا أو خارجيا ، لم تعد ملكا للمكتب السياسي ولا هي خاضعة لما يسمى بالأمين العام للحزب وأنما هي ملكاً للإرادة الدولية والتي تمسك بزمامها الإدارة الأمريكية ، كما أنها ولأسباب أخرى تتعلق بمصالح الحزب الخاصة أو مصالح رموزه الكبار تتأثر بإرادات بعض الدول الإقليمية ، ولذا فأنا أنصح الأخوة الدعاة المخلصين ممن تحترق قلوبهم على حاضر ومستقبل الدعوة بسبب ممارسات من يمسك بزمامها من دعاة السلطة كما يطلق عليهم أن لايغفلوا هذا الأمر ، فالبون بين دعوة ما قبل 2003 وما بعدها أصبح شاسعا ولايمكن إصلاح ذات البين بين العهدين ، فالطلاق بينهما بائنا ولا رجعة فيه . فدعاة السلطة الذين كانوا يرفضون فكرة سقوط النظام السابق عن طريق دخول القوات الأمريكية وكانوا آنذاك يشاطرون الحزب الإسلامي ذلك الموقف ، أصبحوا اليوم اسرى لإرادة سياسة مجلس الأمن القومي الأمريكي أو البريطاني ، ومنهما يستوحون إدارة البلاد ورسم سياستها بل وعلاقتهم مع شعبهم ، بعد أن أصبح الحزب جزءا من المنظومة الدولية التي تعمل بوحي وإرادة أنامل المارد الذي تهتز لها كل قطع الشطرنج في المنطقة ، ونتيجة لذلك فأن متبنيات الحزب قد انتقلت من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال ، وانقلبت على نفسها ، بل أن ما نراه من ممارسات تدل بشكل صارخ من أن مبدأ ( الغاية تبرر الوسيلة ) اصبح الأكثر شيوعا في تلك الممارسات ، وإلا كيف نفسر توقيع الأمين العام للحزب على بنود اتفاقية أربيل التي جعلت من المطلك نائبا للمالكي ، وسمحت لفدائي صدام من الحصول على رواتب تقاعدية ، وشمول قتلى البعثيين الإرهابيين بقانون مؤسسة الشهداء وسجنائهم بقانون مؤسسة السجناء ؟ . ومع هذا الكرم الدعوتي المجزي على منتسبي حزب البعث نجد حزب المالكي يستخف بشكل صارخ بشهداء المقابر الجماعية ويسعى بكل قوة لطمس هذا الملف الإنساني الخطير الذي يعتبر العنوان الكبير لجرائم النظام السابق ، فهذا الحزب قد قاطع ثلاث مؤتمرات دولية للمقابر الجماعية إرضاءا لشركاء الحزب في السلطة وبذريعة المصالحة الوطنية . ودعاة خارج السلطة ممن يكتبون ويحذرون من انهيار المنظومة الإخلاقية للحزب ما زالوا يتحركون ويمارسون النقد من وحي المشاعر البريئة القديمة التي لم تلوثها المناصب وامتيازاتها ونشوة الأموال التي تسكر ببريقها الألباب ، ولذا فإن هذا النقد لايشكل حلاً واقعيا للمشكلة طالما ينطلق من مشاعر لاتمتلك صورة دقيقة لواقع الحزب ، فضلاً من أن أؤلئك الذين يحملون هم التغيير ويكتبون من أجله لايشكل عددهم المحدود مع قلة إمكاناتهم المادية ثقلاً يخيف دعاة السلطة كما يعتقد البعض . إذن نحن أمام قضية ليس من السهل التعامل معها ، لكنه غير مستحيل ، إذا ما توفرت بعض الإرادات المخلصة للدعاة ، وإذا ما تخلى أولئك الدعاة عن بعض الممارسات السلبية التي يمارسونها مع بعضهم البعض كالإستخفاف وقلة التواصل والغرور . لذا فأنا أقترح من كافة الدعاة ( خارج السلطة ) أن يكثفوا جهودهم ويبادروا إلى الشروع بأي خطوة تنتشلهم من حالة النقد والعتاب وكشف العورات إلى حالة العمل الفعلي المثمر ، والغريب أن ضعف ( دعاة خارج السلطة ) يبدو واضحا من خلال عدم قدرتهم على عقد مجرد ندوة لحد الآن فضلاً من أن يقوموا بعقد مؤتمر يستطيعون من خلاله الضغط على دعاة السلطة لكسر جماحهم والحد من ممارساتهم التي اساءت للدين والوطن والمذهب وللأمة قبل أن تسيء للحزب ، فحزب الدعوة في الأوساط الشعبية المثقفة والواعية والنخب في العراق أصبح اسمه يقترن بالفساد والتستر عليه وسرقة المال العام والرشاوى وتزوير الشهادات والاستحواذ على مناصب الدولة ، وأصبحت من سماته محاربة الشرفاء ليس من الدعاة القدامى وحسب بل حتى من أبناء العراق الآخرين لحساب البعثيين والفاسدين أو الذين يمتلكون خبرة في تبييض الأموال وتهريبها إلى الخارج ، وأحب أن أشير إلى حقيقة مريرة ، وهي أن سمعة الحزب في الأوساط الشعبية بسبب الممارسات السلبية التي ذكرتها قد لا تشكل خطرا على مستقبل الحزب في الانتخابات القادمة ، فالشعب العراقي ما زال يتصف بالبساطة وأثر الفقر عليه واضحا ، وهذا يعني أن قطاعات بسيطة كبيرة من المجتمع قد تنخدع إعلاميا بشخص رئيس الوزراء ، والتي تعتقد أنه يمثلها ويحقق آمالها ، ولو تمعنا في الأصوات التي حصل عليها المالكي خلال الانتخابات الماضية لوجدنا أن غالبيتها كان للطبقات الأمية ومن كبار السن التي لاتعي طبيعة المرحلة وليس لها قدرة أصلاً على اختيار ممثلها ، فكان مرشدها للإختيار هي شخصية المالكي التي يتحدث عنها الإعلام ليل نهار . كما أن الأموال التي استحوذ عليها دعاة السلطة سوف تستعمل في شراء الذمم وكان ذلك واضحا خلال الانتخابات الماضية وكلنا رأينا بشكل واضح الأموال الرهيبة التي صرفت في الحملة الانتخابية ، ومن منا لايعتقد من أن تلك الأموال هي أموال عامة أصحابها الشرعيين فقراء الشعب من يتامى وأرامل وعاطلين عن العمل . فحزب الدعوة في ظل الظروف الحالية في العراق لم يعد همه ( الدعوة ) من أجل خلق جيل يتحمل مسؤولية قيادة وبناء مستقبل الأمة والوطن ، وإنما أصبح همه الوحيد هو كيف يضمن مستقبله السياسي وبقاءه في السلطة بأي ثمن ، ولعل تنازلات أربيل هي إحدى المؤشرات الخطيرة على صحة ما نذهب إليه ، فلم تعد أهداف الحزب أهدافا إلهية كما كان يروج لها من قبل ، أهدافا ترتبط بالمباديء الإسلامية العريقة وبمفاهيم أهل البيت عليهم السلام ، أنما كبرت مع تقدم الحزب في السلطة وتغيرت مع تغير الواقع السياسي والمادي ، ونأت البوصلة عن الأمة ومحروميها من يتامى وأرامل وفقراء إلى تحقيق أهداف سياسية كبيرة بعيدة المدى تستخف بغيرها ، فالحزب خلال السنوات الأخيرة أصبح يتطلع لتجارب الأحزاب العلمانية في المنطقة ، وسبق أن أوفد الكثير من عناصره الشابة إلى تركيا لدراسة تجربة حزب العدالة والتنمية ، فلقد رأى دعاة السلطة أن نزع الجلد الإسلامي قد يفيدهم في إدخال التجربة التركية إلى العراق وإن تخلوا عن مبادئهم التي درجوا عليها عشرات السنين ، ولعل ذكريات ( معسكر الأهواز ) أصبحت تؤرقهم فهم لايريدون لحزب الدعوة أن يقترن اسمه بأي متبنى إسلامي يوحي للأخرين بأي نوع من الجهاد أو الفداء ومقارعة الظلم ، حتى مشاعر العداء لحزب البعث قد انطفأت في قلوب القوم ، ونعتقد أن من أسباب محاربة دعاة السلطة لملف المقابر الجماعية هو محاولتهم الهروب من تذكر دماء مئات الآلاف من الشهداء الذين قضوا باسمها ، وإنها تبعا لذلك تتحمل مسؤلية إخلاقية ودينية ووطنية عن موتهم وتيتم أطفالهم وترمل نسائهم ، فهذا التاريخ الجهادي في عرف دعاة السلطة لايخدم مستقبلهم السياسي ولعله يقف حجر عثرة أما تطبيع علاقاتهم من الحلفاء الكبار في الداخل والخارج ممن يضمنون لهم البقاء والاستمرار في السلطة والتمتع بامتيازاتها .اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha