المقالات

ثورة العشرين مشروع الوطنية العراقية

678 10:15:00 2011-06-30

عباس عبد الرزاق الصباغ

بقيت الثورة كمصفوفة ومفاعيل تراود المخيال الجمعي العراقي في كافة منعطفاته التاريخية الدامية التي وصفت بأنها "ثورة" 1958 / 1963 / 1968 وقبلها حركات رشيد عالي الكيلاني 1941 / الشواف 1959 وجميع ما تقدم وغيرها التي سميت بالثورات لم ترتقِ في ابسط مدلولاتها اللغوية او السياسية وحتى الاستعارية الى التعريف الموجز المبسط للثورة: Revolution (وهي التغيير المفاجئ السريع بعيد الأثر في الكيان الاجتماعي لتحطيم استمرار الأحوال القائمة في المجتمع وذلك بإعادة تنظيم وبناء النظام الاجتماعي بناءً جذرياً) كونها حركات هي اقرب للانقلابات العسكرتارية منها الى مفهوم الثورة كونها ذات طابع عسكري قامت بها مجاميع من العسكر وقوى الأمن لغرض تداول السلطة بالطرق اللاسلمية ولم تكن ذات مد او قاعدة او هدف جماهيري او شعبوي وقد تنفرد حركة تموز / 58 بشيء من الخصوصية فهي بحكم السمات التي اتصف بها الزعيم قاسم وكاريزميته الشعبية والراديكالية والانجازات التي حققها فهي اقرب الى توصيف الثورة من غيرها الى حد ما ، أما الحركة التي انطلقت في الثلاثين من حزيران سنة 1920 فهي الحركة الوحيدة في تاريخ العراق الحديث والمعاصر باستثناء الانتفاضة الشعبانية 1991، التي تتمظهر فيها سمات الثورة وصفاتها ومقارباتها فضلا عن أسبابها ونتائجها وإسقاطاتها على مجمل التاريخ العراقي الحديث والمعاصر فهي تشبه الثورة الفرنسية (1789) كمقياس من حيث المد الثوري الشعبي العفوي الهادر والهيجان المسلح ذي الطابع الراديكالي العنيف وتختلف عنها من نواح عدة أهمها ان ثورة العشرين ثورة ذات تنظيم عشائري / مناطقي بالدرجة الأساس وتوجه ديني ممزوج بالحس الوطني فهي ثورة عشائرية/ دينية/ وطنية تواشجت فيها المفاعيل القبلية / المناطقية مع الدينية / الوطنية لتعطينا نموذجا مازال راسخا في جميع السرديات الوطنية كعلامة فارقة من علامات التحرر الوطني ليس ضد الاستعمار والاحتلال وإنما ضد الديكتاتوريات (القومجية والبعثية) التي تعاقبت على البلد والتي حاولت مسخ ما علق في المخيال الشعبي عن تلك الثورة.. وهي ثورة ذات نتائج مفصلية كالنتائج التي حققتها الثورة الفرنسية وان كانت لم تحقق الهدف الرئيسي من قيامها وهو طرد المحتل البريطاني الذي دخل الى العراق بموجب توافقات دولية كان من ضمنها تقسيم مناطق النفوذ في العالم الثالث بين القوى العظمى آنذاك بريطانيا وفرنسا وايطاليا وكان العراق وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو 1916 من "حصة" بريطانيا ، وذلك قبل أن تبرز الولايات المتحدة كلاعب دولي / كوني فاعل إبان الحرب العالمية الثانية .. إلا إن ثورة العشرين حققت عدة نتائج مهمة منها إنها أجهضت المشروع البريطاني في العراق في ضمه الى منظومة دول الكومنولث (وهو اتحاد طوعي مكون من 53 دولة) وربطه مباشرة بالتاج البريطاني كمستعمرة كما فعلت مع الهند التي اعتبرتها "درة" هذا التاج فكان العراق عصيا على الإرادة البريطانية وقد سبق الهنود في هذا المضمار الى أن جاء المهاتما غاندي ( اغتيل عام 1948) وقاد حركة التحرير في بلاده وهي حركة تميزت بالعصيان المدني غير المسلح . كما كشفت ثورة العشرين عن أولى بوادر المواطنة والوطنية العراقية ما يدل على بداية تأسيس الوعي الوطني الواضح المفضي الى ارتقاء المشاعر والأحاسيس المواطنية والوطنية الى الاتجاه نحو بلورة المشروع الوطني العراقي في ملامحه الاولى وهذا لم يتأتَ إبان الحكم العثماني الذ ي دام لأكثر من أربعة قرون فلأول مرة يتلاحم الشعب العراقي بأغلب مكوناته ومناطقه أي بأغلب نسيجه السوسيولوجي وتضاريسه الجغرافية وخريطته الطبوغرافية وتشكيلته المذهبية والقومية وفسيفسائه الاثني وقواسمه الانثروبولوجية في فعل وطني / ثوري مشترك وبتشارك نوعي تاريخي بعد أن كان هذا الفعل مجرد "مشاغبات" مناطقية / عشائرية / فردية محلية وجزئية وبطابع محلي بحت، تتعرض للقمع والتنكيل دائما في ذلك العهد الذي مهد الطريق للاحتلال البريطاني للعراق الذي كان من تداعياته وأخطائه الفادحة نشوب ثورة العشرين التي ساهم نجاحها الجزئي في "تسريع" بريطانيا لتأسيس أول دولة عراقية (آب/ 1921 ) بأخطاء تأسيسية فادحة صارت فيما بعد "خارطة طريق" لمشاريع دولتية اكثر فشلا وخرابا أوسع ،وتشكيل أول حكومة عراقية على أساس طوائفي عنصري شوفيني و"باستيراد" ملك من خارج البلاد لتتأسس فيما بعد النزعة الطوائفية المناطقية الاقصائية ومن ثم النزعة الطوائفية / العشائرية / العائلية .. المهم إن ثورة العشرين كانت النواة الاولى نحو تأسيس الدولة العراقية الحديثة وهذا لم تفعله أية ثورة عربية معاصرة حينئذٍ ما يكشف عن قوة فاعليتها وعمقها الوطني الإستراتيجي ..وفي رأينا إن من أهم نتائج ثورة العشرين إنها حققت الطموح الشعبي ضد أهم الأسباب التي قامت من اجلها وهي إنها كسرت الإرادة البريطانية في استنساخ تجربة الهند (الشرق الأقصى) على الواقع العراقي (الشرق الأوسط) مايدل على قلة الخبرة البريطانية في التعامل مع واقعين حضاريين مختلفين تماما وهو ما اضطر بريطانيا لإرضاء غرورها الامبريالي والانتقام لمركزها الكولونيالي على الساحة الدولية آنذاك نتيجة لخسائرها الفادحة في الميدان العراقي وتخلخل موقعها كإمبراطورية عظمى وقطب دولي محوري فقامت بتأسيس مشروع الدولة العراقية الاولى حاملا معه منظومة جينية متكاملة من تلك الأخطاء التي ظلت تستنسخ نفسها مع كل مفصل تاريخي مهم الى أن جمعت تلك المنظومة كل أخطائها وخطاياها في تموز 1968 في مفارقة تاريخية سحبت معها خرابا شموليا واحتلالا آخر أعاد الى الذاكرة العراقية بيان الجنرال ستانلي مود (1917 ) وهو يرسل "البشارة" الى الشعب العراقي بان البريطانيين لم يأتوا الى العراق فاتحين بل جاؤوا "محررين" فكانت ثورة العشرين الرد الواضح على هذا "البيان" الذي أسس لمنظومة الخراب في هذا البلد وما زال يؤسس. إعلامي وكاتب عراقي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك