كريم الوائلي
تشخيص اسباب الجمود السياسي الذي ميّز المرحلة الحالية ومنذ عدة شهور هو المدخل الاهم لتفعيل المسارات التي تؤدي الى حللة الوضع واذكاء مفاعيل الحراك السياسي ومن ثم الحراك الحكومي الذي اتسم ، هو الاخر ، بالجمود والعلاجات الترقيعية للمشاكل التي تعاني منها البلاد وعلى كل الصعد ، ولطالما انبرى سماحة السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي الى تقديم التشخيصات الدقيقة والوصفات العلاجية اللازمة لتجاوز الاحباطات والتلكأءات التي شكلت تحدي مستمر للعملية السياسية ولعمل الحكومة معا ، وقد لمسنا جميعا ان الخلافات السياسية سرعان ما تلقي بظلالها التعويقية على عمل الحكومة ويكون المتضرر الاول هو المواطن الذي يشكل الهدف الاساسي لانشطة الحكومة ووضع الخطط التي تصب في مصلحته بوصفه رأس مال الدولة وصاحب المصلحة الاساسية في التغيير نحو الافضل وإليه ترجع قضية ابقاء الحكومة او استبدالها ، والمواطن ليس مضطرا الى ابقاء حكومة لا تفي بوعودها ولا تنجز برامجها الموكلة لها في عصر اصبحت فيه وسائل الاصلاح والتغيير وكذلك ادوات تحريك الشارع بيد المواطن وهو من يحركها متى اضطر الى ذلك وكما يحصل الآن في دول المنطقة ، واذا كان التظام السياسي في العراق قد اتاح للمواطن العراقي وسائل التعبير عن الرأي وتقرير مصير الحكومة المنتخبه فأنه - المواطن - في المقابل ما زال غارقا في المحرومية المتوارثة ولم تلب احتياجاته الاسياسية من امن وخدمات وغيرها ، وهذا بالتحديد ما اشار إليه سماحة السيد عمار الحكيم في احتفالية المبعث النبوي الشريف التي اقيمت في مكتب سماحته وقد ححد مسارات تفعيل العمل الحكومي بثمان نقاط اساسية .لا تخلو دول العالم اجمع من مشكلة الفساد المالي والاداري ولا يستثنى اي نظام سياسي من هذه الآفة الخطيرة وهي علة ملازمة للدول والحكومات والمجتمعات غير ان قوة النظام السياسي وهيمنت القوانين وتجذيرها وحرفية النظم الكابحة للفساد والارادة الوطنية المخلصة والواعز القيّمي والحضاري عند المجتمع والساسة والمسؤولين على حد يواء وهي الضمانة الاولى التي يعوّل عليها في مكافحة الفساد المستشري في مفاصل الدولة وعلى ذلك فأن سماحة السيد عمار الحكيم قد جعل من الفاعلين الحضاري والتاريخي العامل الاساس في مكافحة الفساد والفاسدين .كما ان المواطنة بوصفها حق مكتسب ومقدس ولا مزايدة عليها او مساومة فأنها ارتكزت على جانبين مهمين هما الحقوق والواجبات ومتى ما حدث خلل في احد الجانبين او تغليب احهما على الاخر تحصل الازمات ويفلت زمام السيطرة على الوضع العام وهذا هو الحاصل الآن حيث قام المواطن من جانبه بواجب دعم الحكومة وتأييدها والدفاع عن المكتسبات السياسية المتحققة بعد هزيمة النظام البائد فيما اخلت الحكومة بحقوق المواطنة والإفاء بما الزمت نفسها به وما الزمها المواطن من خلال تمثيله في المؤسسات الدستورية ، وكان تنصل الحكومة عن التزاماتها كارثيا بحق المواطن وقد تجسد ذلك الخلل بالتردي الخدمي والامني ، وعلى الرغم من معانات المواطنين من جراء ذلك إلاّ انهم تحلوا بالانضباط وحبس النفس على مكاره الحرمان ووضعوا مصالح بلادهم العليا ومشروعهم الوطني في المقام الاول .ان قوة النظام السياسي ومشروعيته تتمظهر في حفظ حياة مواطنيه وتفعيل القانون الى اقصاه وانزال القصاص القانوني بالعصابات الاجرامية والضرب بقوة ومن غير تردد على كل من تسوّل له نفسه استباحة حرمة المواطن والوطن وقيم المجتمع والدين والاعراف المعتمدة في المنظومة الثقافية الوطنية السائدة وهذا مطلب شعبي كما اشار سماحة السيد عمار الحكيم في خطبته .ومعروف ان العمل السياسي في كل زمان ومكان هو مشاريع واطاريح متضادة او متوافقه توفر الممكن من المنجز السياسي لصالح البلد واهله إلاّ ان التماحك السياسي في بلادنا غالبا ما يفضي الى ازمات سياسية وينتج منه فقدان الثقة بين الاطراف والاخلال بالمواثيق والعهود قبل ان يجف حبرها وعلى ذلك فأن اطروحة سماحة السيد الحكيم في الذهاب الى الطاولة المستديرة تكتسب الآن اهمية قسوى ونجزم ان لا بديل لها في الظرف الراهن إلاّ ان الغلو السياسي والتدافع الشخصي والانحياز الذاتي حال دون الذهاب الى الطاولة المستديرة وجلوس الساسة وجها لوجه في اجواء وطنية وفضاءات توافقية ترتكن الى مصلحة العراق ومواطنيه ولا نريد اليوم الامعان في الجمود السياسي بعد ان ظهرت تجلياته المأساوية بادية وبقوة ووضوح على المواطنين ومصالحهم .ان الشراكة الوطنية تقتضي الشراكة في صنع القرار وتطبيقه وتحمل نتائج تفعيله وبشكل جماعي وهذا ما ركّز عليه سماحة السيد عمار الحكيم في لقاءته وملتقياته وليس من المعقول ان تكون شريكا في مشروع حكومة وفي الوقت نفسه تكون محذوفا ومغيبا ثم يأتي من يحمل كل الاطراف مسؤولية الاخفاقات الناتجة عن قرار انفرادي يضر بالمشروع الوطني . وعلى الرغم من مرور عدة سنوات على اقامة النظام السياسي الجديد في العراق والبدء في تأسيس مشروع وطني جديد إلا اننا نعان من العوز المؤسساتي ولم تكتمل الى اليوم المؤسسات الدستورية مثل المجلس الاتحادي وتنقية القوانين السارية من قرارات النظام السابق والسير وفق الدستور الذي بات كالمغيب والمعطل وهذ خطر كبير على المشروع الوطني ولطالما حذّر سماحة السيد عمار الحكيم من عواقب تغييب دور الدستور وعدم الركون إليه في التحولات الوطنية .
https://telegram.me/buratha