قيس السهلاوي
عندما طرح الراحل السيد عبد العزيز الحكيم مبادرة تشكيل اقليم الجنوب الفيدرالي قبل عدة اعوام تعرض الى موجة من الانتقادات والاحتجاجات التي نظرت الى هذا المشروع على انه مشروع لتقسيم العراق الى كيانات وطوائف ومقدمة لشن حرب اهلية مابين مكونات البلاد بالرغم من نجاح التجربة الكردية التي لا تجابه بعداء كبير بعكس المبادرة التي تقدم بها الحكيم والتي لم يكن الغرض منها سياسيا بقدر تفعيل الجانب الاداري وانشاء حكومات محلية تدير مناطقها بكفاءة افضل من الحكومة المركزية مع مراعاة الخصوصية الثقافية للاقليم . مبادرة الحكيم الراحل كانت جزءا من نظرة واقعية لمستقبل العراق بعد ان تسبب نظام الحكم الشمولي في تراجع مستوى الخدمات ,فضلا عن الحساسيات الاخرى التي رافقت تلك التجربة وذلك عندما تعرضت مناطق الجنوب الى سياسة افقار ممنهج وحرمان ظل مسستمرا حتى سقوط النظام السابق حيث لم يكن هناك نائب واحد عن الناصرية والعمارة والنجف في البرلمان ,بل رموز واعوان محسوبة على النظام وكذلك الحال في العهد الملكي الذي كان بدوره نظاما طائفيا ولكن بدرجة اخف . كذلك لم يكن مسموحا لابناء الجنوب بتولي منصب مدير مدرسة ,حيث كان المسؤولون التربويون على سبيل المثال في محافظة الناصرية يتنتمون الى المكون السني والى محافظة الموصل مع اعتزازنا الشديد باهل الموصل . هذا الحرمان السياسي والثقافي تسبب بمعاناة كبيرة لابناء الجنوب والذي بات التغيير الذي حصل بسقوط النظام يشكل الفرصة المثالية لبناء واعادة اعمار محافظاتهم ومناطقهم بالشكل المطلوب بدلا من الحالة المركزية التي تتسبب في اهدار الاموال والمشاريع فضلا عن الروتين الاداري القاتل . التراجع عن فكرة اقامة الفيدرالية التي رافقت اطلاقها ظروف واجواء سياسية متشنجة اضافة الى مواقف اقليمية غير راغبة باستقرار العراق ,اضافة الى حسابات متعلقة بدول الجوار المتقاطعة مع الولايات المتحدة وغير الراغبة بنجاح المشروع الامريكي في العراق وتعمل على افشاله بشتى الصور . اختيار النجيفي لواشنطن ليطلق منها بالونه الاختباري بشان امكانية اقامة اقليم فيدرالي سني في العراق جوبهت بانتقادات حادة حتى من داخل المكون الذي يتنتمي اليه , بل ان البعض اخذ يبرر هذا الموقف بانه نابع من الشعور بالخيبة نتيجة لتردي الوضع المعيشي والخدمي في المناطق السنية . مبادرة النجيفي وان كانت تجد لها اطارا دستوريا ,حيث يسمح الدستور العراقي لاية محافظة عراقية يرغب سكانها بتشكيل اقليم فيدرالي التقدم بطلب رسمي واجراء استفتاء بهذا الخصوص ,لكن الظروف التي تمر بها البلاد والاجواء السياسية المتشنجة وعدم حسم موضوع الانسحاب الامريكي الكامل من العراق من عدمه واتخاذه موضوعا للمزايدات من قبل الكتل السياسية التي يرغب قسم منها في تحقيق مكاسب سياسية انية على حساب الهدف الاهم وهو بناء البلاد وضمان استقراررها يجعل من اطلاق المبادرة وفي مثل هذا التوقيت بالذات موضع شك ,خاصة وانه يشكل رسالة ضغط قوية على طريقة (اياك اعني واسمعي ياجارة ) لتمرير صفقة سياسية من نوع خاص تقايض الوجود الامريكي في العراق بدعم اكبر للسنة في العراق ومنحهم المزيد من الامتيازات لقاء تخليهم عن هذا المشروع بعد ممارسة الضغط على الحكومة في بغداد والتي يراسها الشيعة . فكرة الفيدرالية ليست ناضجة الان بمافيها الكفاية والكثير من العراقيين لا يفهمون الفيدرالية على انها نوع من انواع الادارة وليس التقسيم والانفصال السياسي ويجهلون ايضا ان دولة متقدمة في المنطقة مثل الامارات هي دولة فيدرالية وان الولايات المتحدة الامريكية هي مؤسس الفيدرالية في العالم وان نظامها السياسي الناجح هو سر قوتها العظيمة وبالتالي هي فكرة مخيفة للعراقيين ففيدرالية السيد عبد العزيز الحكيم ليست لصالح تشكيل اقليم جنوبي موال لايران بقدر رفع الظلم والحيف عن كاهل اهل الجنوب ومنحهم الفرصة لادارة مناطقهم بانفسهم بعيدا عن قيود وروتين المركز المعقد والذي يجربونه الان وليس السنة الذين اتهموا الشيعة من قبل بانهم يسعون وراء الانفصال والانقسام قادرين اليوم على اقامة اقليمهم بسبب حجم الانقسام السياسي الواضح في صفوفهم ووجود اطراف اقليمية مساندة لا ترغب في اقامة هذا الاقليم لكونه يشجع على تبني الفكرة في داخلهم ,اضافة الى وجود مخاوف من اندلاع حرب بين العشائر والقوى السياسية التي لا ترغب باستبعادها عن كعكة السلطة في المناطق الغربية .
https://telegram.me/buratha