حسن الهاشمي
إنّ السريرة إذا صلحت قويت العلانية، كم نحن بحاجة إلى نقد وتقويم الذات، وبعبارة أوضح أنّ نقد الإنسان لذاته يعني لومها الواعي ومحاولة ضبطها في مسارها وحركتها تجاه الكمال المعقول والمقبول وانعكاسه في ميدان المجتمع، ولأهمية نقد الذات الإنسانية نجدُ القرآن الكريم أقسم في سورة القيامة بالنفس اللوّامة وهي نفس المؤمن التي تلومه في الدنيا على المعصية والتثاقل في الطاعة لله تعالى.فنقد الذات ضروري لأجل صدق التغيير والتأثير في المجتمع، وكما جاء في النصوص: ما ينفع أحدكم أن يُظهِر حسنا ويستر سيئا؟ أليس إذا رجع إلى نفسه يعلم أنه ليس كذلك؟ والله سبحانه يقول (بل الإنسان على نفسه بصيرة)، فالإنسان يعلم قبل غيره هل إنه صادق في قوله وأفعاله أم منافق يظهر ما لا يبطن، هذه الحالة مكشوفة للإنسان في قرارة نفسه بل سوف تكتشفها الأيام من خلال المواقف والحوادث والأزمات.لذا جاء في الأخبار تفكر ساعة خير من عبادة سبعين عاما، لأن التفكر ومراجعة الذات يضخ المرء الاستزادة من الإيجابيات، والاستعاذة من السلبيات، انطلاقا نحو التغيير والبناء وتقديم الأحسن والأفضل وعلى كافة الأصعدة، أما التلون وإظهار الجميل وإبطان القبيح، فإنه وإن ينطلي على البعض في وهلة من الزمن إلا إنه سرعان ما تتكشف الأمور:أولا: لعدم المصداقية وهشاشة الموقف. ثانيا: لفضح المجتمع لأمثال تلك الشخصيات المهزوزة التي لا تستطيع الاستمرار في عملها، لأنه مليء بالتناقضات والهفوات والأكاذيب والافتراءات، خلافا للإنسان الصريح الصادق الذي لا يهمه شيء سوى الخدمة وتقويم العمل نحو العطاء والإبداع.محاسبة الذات وتقويمها نحن بأمس الحاجة لهذه القاعدة السامية، ولاسيما نحن نعيش في زمن كثر فيه المغرضون والمنافقون وقل فيه الصادقون المؤمنون، الابتعاد عن الكذب والافتراء واللف والدوران وإلصاق التهم على الشخصيات الحقيقية والحقوقية لأغراض شخصية أو حزبية ضيقة، من أهم مقومات الدولة الديمقراطية التي تحفظ الحقوق والواجبات وتحافظ على كرامة الإنسان من الخدش والتسقيط والتشهير من دون وجه حق. المهاترات التي تحدث بين الكتل غالبا ما تستبطن دوافع سياسية ومنافع حزبية ضيقة، خصوصا إذا علمنا إن محلها القضاء العادل الذي هو وحده ينصف المظلوم ويعاقب المقصر، بعيدا عن مزايدات السياسيين عبر تصريحات واتهامات واتهامات متبادلة غرضها بات واضحا للتشويش على الرأي العام، وتمرير الأجندة الضيقة التي لا تخدم سوى مطلقيها.شتان ما بين السياسي الذي تراه يتهم ويتهجم وينتقد ويزايد على وطنية وقومية الآخرين في حين إنه من أخمص قدميه إلى أعلى بويصلة من شعرات رأسه ممتلئا بالشماتة والضبابية والسوداوية لا يهمه شيء سوى منافعه الشخصية ومصالحه الحزبية الضيقة، والكل بنظره على خطأ وهو وحده أب للديمقراطية وراع لمصالح الشعب العليا!! ولكن شعارات الوطنية والديمقراطية التي تصدر منه ما هي إلا لقلقة لسان، بل إنه طالما يلجأ إلى أعداء العراق لطعن العراق من الداخل، شتان ما بين ذلك السياسي وبين السياسي الوطني الشريف الذي لا يهمه شيء سوى النهوض بدولة المؤسسات وتركيز دعائم الديمقراطية في العراق الجديد.والفرق بين العميل والوطني والإنتهازي والواقعي واضح وبيّن لا يعتوره شك ولا لغوب، وكما قيل في محله ما أضمر أمريء شيئا إلا وظهر على فلتات لسانه وقسمات وجهه، فالمنافق طالما يلف ويدور ويكذب ليؤكد على أمر يعتقد بصحته بينما الشريف لا يلجأ عادة إلى أساليب الخداع والتزويق والتضليل وإنما يكون صريحا مع نفسه ومع الآخرين بعيدا كل البعد عن التدليس وإطلاق المواعيد الكاذبة التي لا يمكن لها أن تتحقق، بل يكون ذا مصداقية عالية في مواقفه وتصريحاته وتبادلاته ومعاملاته مع الآخرين. فالذي يمتلئ صفاء ونقاء وطهرا في داخله لا يصدر منه إلا الخير والصلاح والعكس صحيح أيضا، ونحن وفي هذه الأجواء المتلبدة بحاجة ماسة إلى إصلاح الذات وتخليصها من موجبات الحقد والأنانية وضخها بموجبات الصفاء والتقدم، ولا يكون ذلك إلا من خلال مراجعة النفس ومحاسبتها بين الفينة والأخرى ريثما تصقل النفس اللوامة وتدحض النفس الأمارة دونما رجعة.
https://telegram.me/buratha