حافظ آل بشارة
ما زال ملف سحب القوات الأمريكية من العراق يتصدر المشهد السياسي ، الحكومة احتفلت لوحدها بيوم السيادة في الثلاثين من حزيران ذكرى سحب القوات من المدن سنة 2009 ، نحتاج الى احتفالات أخرى عند سحب القوات الى الصحراء وعند بناء قواعد امريكية دائمة وهناك التباس قانوني في تعريف الصحراء فالعراق كله صحراء ، وقد نصبح مثل قطر او او تركيا او السعودية نستضيف قواعد امريكية لا تؤثر على استقلال بلادنا او رفرفة علمها الملون ، لدينا عواصف ترابية متواصلة تجعل اعلامنا وسخة المظهر ، ما العيب في تأسيس قواعد صديقة؟ بالعكس هم يدفعون لنا ايجارا جيدا ، يمكن ان نسأل دول الخليج التي سبقتنا في هذا الفن كم ايجار القاعدة الواحدة وهل يجري حسابها بالمتر ام بالجملة ؟ وهل تختلف ايجارات القواعد الواقعة قرب الانهار عما في الصحراء ؟ واذا لم يدفعوا لنا حسب الموعد فهل يحق لنا طردهم من القاعدة ورمي اثاثهم في الشارع ؟ وهل يحق للعشائر التدخل في حل المشكلة ؟ هناك اسئلة أخرى داخلية وبريئة منها مثلا : اذا عاندت الحكومة وظلت حتى النهاية تؤكد عدم الحاجة الى القوات الأمريكية ماذا سيحدث لنا بعدها ؟ وما هو مصير مشروع التمديد ؟ يقال ان اطرافا سياسية تنوي شن حملة اقناع وطني لتمديد بقاءهم ، واطرافا اخرى تنفذ ضدهم عمليات خطيرة لتجبرهم على الانسحاب ، لكن جهة ثالثة تنفذ عمليات ابادة مدنية في اوساطنا لاجبارهم على البقاء بحجة تدهور الأمن ، مع تعدد المواقف وتقاطعها يظل السؤال الآخر قائما : ماهي القيمة الحقيقية لانسحاب هذه القوات وهل ان الوجود الأمريكي في العراق او المنطقة قائم على هذه الدبابات التي تسير في الشوارع ؟ من يعتقد ذلك فهو جاهل او متواطئ ، ببساطة هناك القوى الحقيقية الخفية في المطارات والمعابر والفنادق والوكالات المدنية التي هي كجبال الجليد الغاطسة ، هناك السفارة الامريكية في بغداد وهي الأكبر في العالم ويعمل فيها 16 الف موظف ، وموازنتها المقررة اكثر من 6 مليارات دولار ، هناك قواعد سرية ودوائر عراقية المظهر امريكية الجوهر ، هناك قادة ووزراء ونواب عراقيون اصلاء يحظون بحماية خاصة منهم ولديهم جنسية امريكية ولو اكلوا الدنيا باشواكها لن تقول لهم هيئة النزاهة على عيونكم حاجب ، هناك قدرات عريقة لدى واشنطن في استخدام العراق وتنوعه وعداواته الداخلية او صداقاته الاقليمية لحماية مصالحها وتنمية تحالفاتها وخدمة معاركها الأخرى ، اميركا تعمل بنظرية هيمنة واسعة ومعقدة ودقيقة يعد الوجود العسكري الجزء الاصغر فيها لذا قد تقرر التضحية به لصالح خطوط العمل الاخرى وبامكان بغداد ان تستثمر العناصر المشتركة في الرؤية الامريكية لصالحها وتنتج برنامجا مشتركا قدر الامكان ، العراق ليس لديه نظرية امنية مجمع عليها وطنيا لكي يعرضها امام واشنطن ويقول لهم : انتم اصدقاء جيدون وقد قدمتم لنا العون في ايام محنتنا اما اليوم فالى الوراء در عادة سر وشكرا ، ليس لدينا خطاب موحد كهذا ، ستنطلق اصوات عراقية عديدة بعضها ينادي : الى اليمين در ، والاخر الى اليسار در ، وبعضها : هرول ، سوف يسمعون تلك الاوامر المتضاربة ليرد عريفهم بصوت قوي : (قوات ... راوح) ! وهي نهاية كل مطاف كهذا .
https://telegram.me/buratha