السيد حسين الصدر
الوظيفة الحضارية للكتابة قال الشاعر :ولا تكتبْ بكفّك غيرَ شيءٍ يَسرُّكَ في القيامة أنْ تراهُ
- 1 - الكتّابُ كثيرون ، ولكنَّ البارعين منهم ليسوا بكثيرين ، فليس المهم ان تسوّد الصفحات البيض ، مهما كانت الحصيلة النهائية لتلك السطور ومهما كانت النتائج ..!!وشتان بين تقرير كاذب خبيث ، يكتبُه ( المخبر سري ) للأيقاع بأنسان برئ، وبين وصفة طيبة، يكتبها طبيب حاذق ، تكون سبباً لبرُء مريض مُعيّن من داء خطير أو حكمةٍ يخطها فيلسوف فترّن في سمع الزمن ....لولا الكتابة ، لضاعت العلوم ، ولما تمكنّا من الوقوف على حقائق الحياة وأسرارها ....ولما سارت عجلة الحضارة الى الامام .ولو لا الكتابة لحرمنا من الادب الجمّ، الموّار بعبير الفن والحب والجمال، قديمه وحديثه . ولو لا الكتابة لما استطعنا ان نقرأ التاريخ ، ونسبر أغواره ، ونطلّع على أحداثه ،وما تعرضت له الامم والشعوب والدول والمجتمعات عبر مسارها الطويل من اشراقات او اهتزازات ....ولو لا الكتابة لما وقفنا على التجارب البشرية المليئة، بالعظات والعبر، بكل تضاريسها .انّ سطوراً قليلة بمقدورها أنْ تقودك الى رحاب الأيمان ، ومن ثم تنعم بالسكينة والاطمئنان .كما ان سطوراً مماثلة، قد تكون سبباً لإشعال الحرائق في نفسك ، وفكرك ، وعقيدتك، وحاضرك، ومستقبلك ....ان الكتابة نفسها قد تنقلك من خندق الى خندق ، ومن موضوع الى موضع آخر .انها قد تقنعك بوجوب تمزيق ثياب الصمت والانعزال ، وارتداء حلة قشيبة من الجرأة والصراحة بعيداً عن كل المجاملات الرخيصة .بالكتابة نفنّد الشبهات والأباطيل والشكوك والاتهامات الرخيصة .وبالكتابة نشيع المودة والثقة ، ونبني أوثق الأواصر، والروابط ، بين ابناء الوطن الواحد ، ونقضي على النعرات الطائفية ، وما يثير الفتنة والفرقة بينهم .انها أذن عملية بالغة الخطورة والأهمية في كل الجوانب العقائدية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية والعلمية والتاريخية والحضارية .....- 2 - وكانت هناك نصائح تُقدّم للناهضين تقول :أكتبْ أحسن ما تقرأ وأحفظْ أحسن ما تكتب وكانت المجالس تزدانُ بما يتداوله المجتمعون فيها من عيون النصوص المختارة وفقاً لتلك الأعراف .وآية ذلك ، أنك كنتَ لا تعدم أنْ تجد عند عامة العلماء والأدباء والمفكرين والمثقفين والباحثين " مجاميع " يعتزون بها ، تمثل خلاصة وافية لقراءاتهم ومنتخباتهم من بطون الكتب المختلفة .(والكشاكيل ) المطبوعة وأضرابها ، انما هي صورة لتلك الجهود المتواصلة في مضامير المطالعة والكتابة لما يقع عليه الاختبار أثناءها .-3- واليوم ، شغل الشباب ،بوسائل الأتصال الألكتروني، ولم تعد الصلة بينهم وبين كتب التراث خاصة ، وباقي الكتب عامةً ، بالصلة القوية الفاعلة ، مما أدّى الى انحسار واضح في المستوى الأدبي والفكري والثقافي ...
-4-إنّ المثقف المعاصر مدعوٌ أنْ يكتب للتعبير عن آرائه وتصوراته وأنطباعاته ، في كلّ ما يعنى به من شؤون .وان هذه الكتابة تقوده الى ان يكون في تماسٍ مباشر مع الكتب والإصدارات ، الحديثة والقديمة ، وفي هذا من النفع والافاده ما فيه .هذا من جانب ومن جانب آخر فان مواصلة الكتابة ، والمران عليها ، سيؤهله لان يكون من الكتّاب ، الذين تزدهر مع الأيام ملكاتهم الكتابيّة ، وتنمو معها ،قدراتهم وأساليبهم في التصوير والتعبير .
-5- ان العراق اليوم يعاني من مشكلات جمة ، وأزمات عديدة ، ليس في قطاع الكهرباء والماء فحسب بل في ميادين الأمن ، والزراعة ، والصناعة والتجارة ، والصحة ، والتعليم ، والبطالة ، وسوء الخدمات والحاجة الى الأصلاح السياسي للخلاص من المحاصصات الطائفية ، والحزبية، والقومية ، والمناطقية، ناهيك عن وجوب امتلاك المعدات العسكرية، التي تصون أجواءه وحدوده البرية ، والبحرية ، وأعداد البرامج الناجحة في مجالات الأعمار ، والأستثمار ، وبناء المساكن ، الى قائمة طويلة من الحاجات الآنية المشروعة ....فمن الجميل ، والمفيد حقاً ، ان يرفد العراقيون الوطنيون المخلصون ، بكتاباتهم ، واقتراحاتهم - كلٌ حسب اختصاصه - ما يمكن ان يكون الاضاءات النافعة في كل تلك الحقول والمجاملات .-6-انّ من الأدلة على حيوية الأمر وفاعليتها ، وجود الأقلام ، والعقول المتصديه لشؤون البلاد والعباد ، بما لا يُبقي فراغاً، أو انكماشاً ،في مجالات أيجاد الحلول الواقعية للأزمات الراهنة .لماذا تستورد الحلول من الخارج ؟ولماذا نَكِلُ ملأ الفراغات لمن هم أبعد ما يكونون عن فهم الخرائط الجغرافية والسياسية لبلادنا ؟ان العراق غنيٌّ بالخبراء من أبنائه في مختلف الحقول .وهذه هي مهماتهم التي لا بُدَّ ان تحظى منهم بالأولوية .
-7-وعلى الدولة أنْ تولي هي الأخرى هذا الجانب مزيداً من الأهتمام، والرعاية، حيث لا معنى للاستعانة بالخبراء الاجانب ، مع وجود الخبراء الأكفاء من أبناء العراق .وانّ عليها توفير الحوافز لرجوعهم ، ان كانوا قد غادروا البلد ، وعليها احتضان الموجودين منهم داخل العراق .
الاّ ان المؤسف ، ان ذلك كله ، يصطدم بعوائق من المحاصصات ، والعناية بالولاءات الشخصية ، والعلاقات العائلية ، مما يحرم العراق من الأستفادة الحقيقية ، من كل تلك الطاقات الجبارة والمهارات الفائقة .-8-ولا نريد ان نختم المقالة بعيداً عن أجواء بداياتها .إنّ كلّ سطر يخطه الأنسان لا تمحيّ آثاره ، الإيجابية منها السلبية ، لا في الدنيا ولا في الآخرة .فأصحاب الكتابات ذات النفع الانساني والحضاري يحتلّون مواقعهم المتميزة - كعلماء وكتاب وباحثين ومفكرين - في عقول الناس وقلوبهم .كما انهم بتلك الكتابات ، يدخّرون رصيداً عامراً بالحسنات ، وأنها لنعم الذخائر ، يوم تُبلى السرائر .أما مَنْ جمّع الكمّ الهائل ، من السطور الغرقى بالمبتذل والهابط الرخيص من الموضوعات ، فليس لهم في الدنيا الاّ المرارة ، وفي الآخرة الا الخسارة .
حســـين الصـــدر
https://telegram.me/buratha