صبيح الناصري
عندما تبنى المجلس الاعلى الاسلامي العراقي خيار الفيدرالية كمنهج لعراق ما بعد صدام عبر التاسيس لاقليم جنوب بغداد بمحافظاته التسع فانه كان يدرك أهمية الفيدرالية كخيار إداري لتنمية المحافظات الجنوبية التي عانت من الإهمال وسياسة الافقار والافراغ التي مورست بحقها من قبل الانظمة الشمولية الحاكمة التي تعاقبت على السلطة طيلة الفترة الممتدة من العام 1921وحتى عام 2003 ,حيث عانت هذه المحافظات من غياب الاهتمام الحكومي بها وحرمانها حتى من اختيار محافظين من ابنائها لها ,اضافة الى ان ابواب الكليات العسكرية والشرطة والخارجية موصدة بوجه ابناء هذه المحافظات التي عانت من تمييز عنصري وطائفي بشع . سياسات الإفقار والحرمان المتراكمة منذ العهود السابقة وقيود الروتين من قبل المركز جعلت هذه المحافظات المهمة من العراق التي تحتضن اكثر من ثلثي ابار النفط العراقية لا تشهد اية حركة اعمار حقيقية منذ ثمانية اعوام تتناسب مع مستوى الثروة الطبيعية الموجودة لديها ,بل كانت النتائج مخيبة للامال فعلا بالنسبة لابنائها الذين لم يجدوا اية مبادرات حكومية جادة لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والخدمية لها .كما ان الحكومات المحلية المنتخبة وخاصة بعد الانتخابات المحلية الأخيرة انتجت طبقة من المحافظين والمسؤولين الذين لم يثبتوا جدارتهم ,بل ان ابناء هذه المحافظات خرجوا في تظاهرات احتجاجية اطاحت باثنين منهم مؤخرا ولولا الضغوطات والتدخلات التي مورست لشهدت هذه المحافظات استقالات جماعية لكل المحافظين فيها والتي عكست فشل قائمة ائتلاف دولة القانون في إدارتها وتحقيق وعودها الانتخابية .فشل ادارات الحكم المحلية المنتخبة في القيام بواجباتها والتقصير الواضح الذي يرافق اداء المسؤولين فيها يدفع في الواقع لتبني خيار اقامة الاقليم الفيدرالية التي تعد الحل الامثل لمشكلة مزمنة ظلت تعاني منها المحافظات الجنوبية طيلة عقود طويلة ,اذ ستتيح فكرة تشكيل الاقاليم لابنائها اختيار الشخصيات المؤهلة لادارتها ,اضافة الى امكانية جذب رؤوس الاموال لاقامة المشاريع الاستثمارية بدلا من القيود والتعقيد الروتيني الذي تفرضه حكومة المركز وقلة التخصيصات المالية المخصصة للمشاريع ,بل بالعكس فان اقامة الاقاليم الفيدرالية سيسمح لها بالحصول على وارداتها بنفسها ,اضافة الى ان اقامة المشاريع الاستثمارية وتشغيلها سيسهم في تقليل معدلات البطالة ويطلق الفرصة لتطوير مستوى ابناء المحافظات التعليمي والثقافي .وبعيدا عن السياسة فان اقامة اقليم جنوب بغداد سيقلل من الاحتقانات السياسية والصراعات الدائرة حاليا مابين الكتل والاحزاب في العاصمة بغداد وسيجعلها تركز جهودها في الاقاليم الفيدرالية . يذكر الكاتب الامريكي ولي نصر في كتابه (صعود الشيعة ) بان اقامة الاقاليم الفيدرالية في مناطق جنوب العراق سيجعل الشيعة الذين طالما عانوا من تاثير المحيط العربي القومي السني عليهم وتسبب في حرمانهم من حقوقهم السياسية في العراق طيلة اكثر من 800 سنة بمنأى عن هذا التاثير ,بالاضافة الى انه سيكسبهم هوية وطنية وثقافية خاصة بهم مع محافظتهم على هويتهم العربية والاسلامية والتي لا تتقاطع مع المشروع الديمقراطي في المنطقة ,حيث كان الجوار العربي السني حريصا طيلة الفترة الماضية على ابقاء الشيعة رغم اكثريتهم اقلية سياسية لا تحظى بالحقوق والامتيازات والثروة ,بل كانوا مجرد ادوات بيد المشروع القومي العربي الذي استخدمهم كاداة خلال صعوده في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ,حيث لم يقدر لهم هذا الدور ,بل سرعان ما تم تناسي هذا الدور بسرعة بمجرد نجاح الثورة في ايران ,حيث اصبح الشيعة في العراق والخليج ولبنان وغيرها متهمبين ومطعونين في هويتهم وانتماءهم العربي الاصيل , بل واصبح المواطن الشيعي في تلك البلدان متهما شاء ام ابى بالعلاقة مع ايران رغم وجود الكثير من الحواجز الثقافية واللغوية والتقاليد والارث الفكري بين الشيعة العرب والايرانيين والذي يعكس جهالة وخبثا متعمدا في اقصاء الشيعة وحصرهم في زاوية التخوين والاتهام . اقامة اقليم جنوب بغداد لا تعني في الواقع مشروعا انفصاليا او تقسيما ,بل فكرة ادارية ناجحة لاقامة بلد مستقر ينصرف فيه ابنائه الى بناء بلدهم من خلال تنمية هذه الاقاليم وتطويرها ورفع قدراتها الاقتصادية ,اضافة الى ما تسببه من تمتين للعلاقات ما بين المكونات العراقية المختلفة والتي ستجد نفسها مضطرة للتعاون فيما بينها في مختلف المحالات الامر الذي ينعكس على واقع البلاد ورفاهيتها بعيدا عن التطبيل الاعلامي القومي المحذر والمخوف من تجربة الفيدرالية وتوقعاته الواهمة بفشلها .
https://telegram.me/buratha
