سعد صاحب الوائلي
الإيرانيون يأتون زائرين بالآلاف، يُقبّلون أعتاب أضرحة أئمتنا، ويتبركون بترابنا، وينفقون مئات الملايين من الدولارات شهرياً في قطاع (سياحتنا الدينية الفقيرة بمرافقها)، وينشّطون التجارة والإقتصاد وقطاع النقل في العديد من المدن المقدسة في الكاظمية والنجف وكربلاء وسامراء ومقترباتها والمدن المحاذية للطرق المؤدية إليها.. وبعض الساسة وشرائح من جمهورهم يتذمرون ..وبالمراجعة التاريخية القريبة.. الإيرانيون كانوا أكبر داعم لحركات المعارضة العراقية بكافة ألوانها طيلة عمر مقارعتها لصدام وزبانيته، كما أنهم أول من إعترف بحكومتنا الجديدة بعد سقوط النظام، وهم أول من دعم وساند العملية السياسية القائمة عندنا بكافة تلويناتها ومكوناتها... وتلك الثلة من الساسة وتلكم الشرائح تتذمر.. وتكيل الشتائم والتهم للإيرانيين..ثم يواصل الإيرانيون السعي لتحقيق المصالح الإقتصادية والتجارية والسياسية المشتركة بينهم وبيننا بإشتراطاتٍ تفضيلية تتناغمٍ وتتلاقى مع مصالحنا الإقتصادية والتجارية والسياسية وبإرقامٍ فلكية ومشاريع مجزية يسيل لها لعاب منظري الإقتصاد والتنمية وإعادة البناء المحليين وبعض الأجانب.. وتلكم الشريحة الآنفة الذكر وساستها لا زالوا يتذمرون ويشددون على ذات المعادلة التي تبنـّـاها وبشـّـر بها (صدام وحزبه) قبل عقود -بتظافر (الأعوان من العرب)- والقائلة بأن الإيرانيين (مجوس- صفويين) يرومون (سلخ) العراقيين عن ((دينهم)) ويسعون (لإحتلال مراقد الأئمة).. والعجيب أن تلك التخرصات لا زالت تجد لها آذاناً صاغية بين ظهرانينا حتى اليوم..وقد تَحْسُن الإشارة هنا.. الى أن زيارة الوفد الإيراني الأخيرة للبلاد برئاسة نائب الرئيس الإيراني رفعت من حجم التبادل التجاري بين البلدين الى ما يزيد على ((20 مليار)) دولار..!، فضلاً عن تعزيزها لمستوى العلاقات البنـّاءة بين بغداد وطهران.خلال الزيارة.. دأب الوفدُ الإيراني الكبير (200 متخصص بينهم وزراء) في مباحثاتٍ بناءة مع المختصين العراقيين عبر العديد من الملتقيات الإقتصادية والمنتديات الإستثمارية المشتركة بين الطرفين شارك فيها الكثير من التجار ورجال الأعمال، وشكلت إثرها عدة لجان إقتصادية عليا، فضلا عن توقيع عدد من الإتفاقيات ومذكرات التفاهم في الجوانب الإقتصادية والتجارية والسياحية.. ولكن المتذمرين لا زالوا يتهمون ويشتمون..طبيعي أن بلدين يتشاركان حدوداً تزيد على (1400) كيلومتر أن تكون هناك قضايا عالقة بينهما كأمر الأنهار المشتركة، والمليشيات المسلحة المناوئة، وما سواها، والتي تنحصر آفاق حلها ومعالجتها ضمن إختصاص الحكومتين العراقية والإيرانية وعبر إتباع الطرق الدبلوماسية وليس التصعيد والتأجيج.ثم لا ضير أن يخرج بضعة من أفراد (منظمات مدنية) في خانقين ليتظاهروا على الطريق الدولي المؤدي الى أيران إحتجاجا على قطع مياه نهر الوند، او بمدن جنوبية قبل أشهر لمطالبة الحكومة بالضغط على طهران لمنع مياه البزل الإيرانية من أن تخرب أراضينا.. ولكن أن تحشد جهات سياسية جمهرة من أتباعها بساحة عامة للمطالبة بوقف ((التدخلات الايرانية)) فهو أمر يحتاج الى كثير بيانٍ، وجردة تفاصيل الى جانب توفر مرشحات لعزل الإرادات (السياسية الآنية) عن (الوطنية المخلصة).. فضلا عن توفر معايير لقياس (صدقية) الإتهامات القائلة بـ(فقدان) الحكومة لـ(إستقلاليتها) أمام طهران - كما تؤجج تلك الجهات السياسية عقب كل نجاح تشهدها العلاقات العراقية الإيرانية..على أية حال، المساحة التي يفترض أن يشترك بها جميع المخلصين والوطنيين في عرصتنا السياسية هي الإيمان بضرورة تحقيق الإستقرار بعلاقاتنا مع جميع عواصم جوارنا الإقليمي على أسس الإحترام المتبادلة وتعزيز المنافع المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
https://telegram.me/buratha