صبيح الناصري
شهد العراق بعد سقوط نظام صدام إعادة تشكيل جهاز المخابرات وفق نظرة جديدة تحول هذا الجهاز من جهاز قمعي بوليسي كان هدفه الأول والأساسي حماية النظام ومطاردة المواطنين العراقيين في الداخل والخارج وقتلهم إلى جهاز وطني يعمل على حماية البلاد من اعمال التجسس المضادة وكشف العمليات الإرهابية والتنظيمات المسلحة المناوئة وتقديم المعلومات الخاصة بالأمن القومي العراقي إلى رئيس الوزراء الذي يعتبر الجهاز تابعا له ,لكن الطريقة التي قامت بها الولايات المتحدة ببناء الجهاز تحت إشرافها وتعيين الشهواني الذي كان جنرالا سابقا في الحرس الجمهوري مديرا له ,جعل من هذا الجهاز يخرج عن القواعد الأساسية التي وضعت لعمله وتحول الى مكتب امني تابع للاستخبارات الأمريكية في العراق ,حيث كان الجهاز يعمل تحت إمرة وأشراف أمريكي وكان عمل الجهاز موجها ضد الإيرانيين والحركات السياسية الإسلامية في العراق دون مواجهة التنظيمات الإرهابية المسلحة .ابتعاد الحكومة عن اشرافها على هذا الجهاز والوصاية الأمريكية عليه جعلت من هذا الجهاز يفقد أهميته ودوره في العراق وأصبح أغلبية ضباط الجهاز والمسؤولين فيه مشغولين بجمع الأموال ,حيث المال وفيرا وموجودا ويغري بالسرقة . كما ان طريقة اختيار الضباط العاملين فيه لم تتم لأسباب مهنية ,بل على أساس القرابات والمحسوبيات والصداقات التي كانت تجمع بين مسؤولي الجهاز والمنتسبين مما جعل الجهاز يتحول الى مؤسسة لإيواء الضباط المتقاعدين ومنحهم فرصة للعمل لقاء ساعات يمضونها في مكاتبهم من دون عمل حقيقي . وبعد هروب الشهواني الى خارج العراق بعد التضييق عليه وكشف عمليات الاختلاسات للأموال الخاصة بهذا الجهاز وتولي شخصيات مقربة من رئيس الوزراء الإشراف عليه لم يتغير الواقع كثيرا ,حيث ظل الأداء ضعيفا ومحدودا وظلت الصلات الحزبية هي المعيار في اختيار المنتسبين للعمل فيه مما جعل الجهاز يبدو حاليا ضعيفا وعاجزا عن مواجهة عشرات الأجهزة الاستخبارية التي تعمل على الساحة العراقية والتي من بينها جهاز الاستخبارات الفلسطيني الذي يديره محمد دحلان وجبريل الرجوب ,حيث يعملان على تزويد الاستخبارات الإسرائيلية بمعلومات عن العراق ,أضف الى ذلك ان عدة استخبارات خليجية تعمل في العديد من مناطق العراق وتعمل على تمويل العديد من الجمعيات والحركات الدينية ذات الفكر التحريضي الهدام مثل حركة اليماني والتنظيمات الباطنية السرية وغيرها والتي تعمل على إضعاف الشيعة وإثارة الانقسام بين أحزابهم وشخصياتهم الدينية ,إضافة الى تشويه سمعة الشيعة في المنطقة باعتبارهم اشخاصا باطنيين . كما ان هذه الأجهزة الاستخبارات الخليجية تعمل على نشر المخدرات والدعارة في مناطق الجنوب عبر استغلال حاجة ابنائها وعوزهم وفقرهم ,حيث شهدت البصرة والناصرية تدفق الكثير من المواد المخدرة القادمة من موانيء الخليج ,إضافة الى تشجيع حركة سرية لنقل فتيات يمتهنن الدعارة الى الملاهي ودور الدعارة في دبي . هذه الأنشطة وغيرها يقف اليوم جهاز المخابرات عاجزا عن مواجهتها بسبب الطريقة الخاطئة التي بني عليها هذا الجهاز وعدم اعتماد معايير الكفاءة والمهنية والاستقلالية في اداء الجهاز وقراراته وعملياته التي تخضع اليوم لهيمنة الاحزاب ,حيث أصبح هذا الجهاز داخلا ضمن المحاصصة الحزبية والسياسية والتي تشل من عمل هذا الجهاز الذي تفرض الظروف الحالية ضرورة الغائه وتسريح منتسبيه وتحويلهم الى عناصر جيش وشرطة بدلا من إنفاق الأموال الطائلة عليه ما دام عاجزا عن مواجهة حركة فتح وحماس وجهاز الاستخبارات الصومالية والنيجيرية في العراق.
https://telegram.me/buratha