حسن الهاشمي
عن الإمام الباقر (عليه السلام) في محاورة له مع جابر الجعفي: "يا جابر !.. أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبنا أهل البيت ؟!.. فو الله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبرّ بالوالدين، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة، والغارمين، والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكفّ الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء"."فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله عزّ وجلّ وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته"."يا جابر!.. فو الله ما يُتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجة، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليُّ، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدوّ، ولا تنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع".نحن أتباع أهل البيت لنجعل من هذه الرواية الرائدة مرآة لنفوسنا ومقياسا لرؤية مدى التزامنا بمبادئ ديننا الحنيف، فالانتماء لمدرسة أهل البيت عليهم السلام هو انتماء للقيم والأخلاق والمواقف النبيلة، وفي غير تلك الحالة لا يعدو كونه لقلقة لسان لا ينفع صاحبه بشيء، حتى الشعائر الحسينية والبكاء وإظهار الحزن على مصابهم عليهم السلام أمور مندوحة ومندوبة ولكنها ليست هدفا بحد ذاته، لعلها تتحول إلى هدف عندما تترجم إلى واقع حال يكرس جانب التقوى والأخلاق الحسنة والعبادة لله والتكافل الاجتماعي وكف الأذى عن الناس وأداء الأمانة والإيمان المطلق بعدالة الله تعالى في التدبير والحساب، بتلك الوسائل وذينك الأهداف أي بالعمل والورع باستطاعتنا أن نكون من الصلحاء، أما إذا تمسكنا بولايتهم بالاسم فقط دون الفعل فسنكون شينا على الأئمة لا زينا لهم، لأن مذهب أهل البيت مذهب سلوك وارتقاء وإذا ما تحول إلى سلوك وسيلي دون تغيير أو إصلاح - لا سمح الله - فإن عنوان الولاية ربما تتحول تدريجيا إلى غواية، وهذا ما حذرنا الإمام الباقر من أن نقع في شراكه!.طالما يسعى الإنسان أن يكون مؤثرا في مجتمعه وريثما يصل إلى مبتغاه عليه التدرج في مراتب الكمال والسعي الحثيث في الارتقاء الأخلاقي الذي يتسامى بالإنسان ويجعله طيعا في تعاملاته المختلفة مع بني جلدته لكي يرتاح منه الجميع وكيما تبتعد رياحه السامة عن وجوه أناس يحوطونه طوعا أو كرها، ربما يكون تحرك الإنسان في دائرته الاجتماعية عنصر خير ورفاه وربما العكس هو الصحيح فيكون وبالا على من حوله لا يجنون منه سوى الخيبة والخذلان وسوء العاقبة، والطريق السوي الذي يتراءى للإنسان السوي هو ذلك الطريق المكلل بالطاعة والورع عن المعاصي، أما غيره من الطرق التي تعترض الإنسان قد ترديه إلى المهالك والمهاوي، حيث إنها طرق غواية وضلالة ومعصية وفساد، لا يجني المرء منها إلا الخيبة والخسران."من كان لله مطيعاً فهو لنا وليُّ، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدوّ" هذا هو المقياس في أتباع أهل البيت عليهم السلام، ولايتهم تكمن في طاعة الله تعالى، وعداوتهم تكمن في معصية الله، نعم إن أهل البيت عليهم السلام يشفعون لشيعتهم ومواليهم ولكن بشرطها وشروطها بما يضمن على الإنسان الالتزام بالأحكام والاجتناب عن المحرمات، وتناله الشفاعة عن اللمم من الذنوب التي قد يرتكبها الإنسان في غفلة من أمره، أما المتمادي في الذنوب والمتهتك لحرمات الله تعالى فإنه أبعد الناس عن الشفاعة ما لم يتوب توبة نصوحا إلى الله ويستغفر عن الذنوب التي بدرت منه، فمجرد الانتساب إلى مدرسة أهل البيت لا تضفي على المرء مكرمة ما لم يلتزم بأقوالهم وآدابهم ومنهاجهم في الحياة، وإن كان الانتساب بحد ذاته وسام فخر واعتزاز لكل من تقلد به، لأنه عامل هداية وحافز إيمان يوقظ الضمير كلما ركن إلى الخمول والرتابة والذهول.طاعة الله تعالى والإحجام عن معصيته امتياز وكرامة ومنقبة ليس فوقها منقبة، فهي تقرب لله ولرسوله الأئمة الهداة من بعده والأولياء والعلماء والحكماء، وفي هذا الشأن نقل إن عالما كان يقدر أحد تلاميذه أكثر من البقية، وكان التلاميذ يقرعونه لأنه يرجح ذلك التلميذ عليهم.وفي أحد الأيام أعطى لكل منهم دجاجة وقال: خذوا هذا الدجاج واذبحوه في مكان لا يراكم فيه أحد، فذهب الجميع وذبحوا الدجاج في مكان خال ثم عادوا، ولكن ذلك الشاب عاد بدون أن يذبح الدجاجة، فسأله الأستاذ: لماذا لم تذبح الدجاجة؟ قال: لأنك أمرتني أن أذبحها في مكان لا يراني فيه أحد، ولكني لم أجد مكانا لا يراني فيه الرب الواحد والفرد الصمد، فقال الأستاذ: أحسنت! ثم التفت إلى تلاميذه: لهذا السبب أرجحه عليكم وأقدره وأعتبره أفضل منكم. ولا يزال أئمة أهل البيت عليهم السلام بأقوالهم وأفعالهم وتقاريرهم يثبتون ركائز المجتمع السعيد المتآخي المتقي، والصفات التي ذكرها الإمام الباقر ما هي إلا لبنات في بناء ذلك المجتمع الحر المتكافل، وهي بحق لو تم تبنيها من أي مجتمع فإنه ليس يصلح آخرته فحسب، بل باستطاعته أن يقدم الأنموذج الحي والراقي في التعامل الإنساني الصادق، ربما تكون تلك المناقبيات مسيل لعاب حتى المجتمعات غير الإسلامية لاسيما إذا تجذرت في نفوس أصحابها وأضحت سجية من السجايا وانطلقت من قلب مفعم بالإيمان والخير والمحبة للآخرين، حينئذ سيكون تأثيرها في الطباع أوضح ووقعها في النفوس أوسع ومصداقيتها في العالم الخارجي أدق وأرجح.
https://telegram.me/buratha