بغداد:عادل الجبوري
اول شيء فعله وزير الدفاع الاميركي الجديد ليون بانيتا بعد زيارته لافغانستان هو توجهه الى العراق بصورة مفاجئة، في خضم نقاشات وسجالات محتدمة بين الساسة العراقيين حول مسألة بقاء او انسحاب القوات الاميركية من البلاد نهاية العام الجاري وفق الاتفاقية الامنية المبرمة بين الجانبين اواخر عام 2008.مصدر في رئاسة مجلس الوزراء العراقي طلب عدم الكشف عن هويته قال "ان وزير الدفاع الاميركي الجديد ليون بانيتا وصل مساء الاحد، العاشر من تموز -يوليو الجاري الى العاصمة العراقية بغداد في زيارة مفاجئة لم يتم الاعلام عنها مسبقا". وفي ذلك اشارة واضحة الى ان رئيس الحكومة نوري المالكي وهو في ذات الوقت يشغل منصب القائد العام للقوات المسلحة لم يكن على علم مسبق بزيارة الوزير الجديد!. ومن شاهد اللقطات التلفزيونية لوصول الوزير الاميركي الى بغداد، لابد له ان يسجل جملة ملاحظات منها:-ان زيارة الوزير لم تخضع للسياقات البروتوكولية بتاتا، فقد جاء بطائرة عسكرية نزل منها لوحده ، وكان مرتديا سروالا وقميصا عاديين مع قبعة على رأسه، بحيث بدا وكأنه في نزهة قصيرة وليس في زيارة لبلد اخر!.-كان في استقباله ضابطا واحدا من قادة القوات الاميركية في العراق، وغابت مظاهر البهرجة والضجيج من اجواء الاستقبال، بل واكثر من ذلك بدا ان المبالغة في بساطة الاستقبال مقصودة وكان يراد منها ايصال رسائل سياسية من نوع معين للاطراف السياسية العراقية الرافضة لتمديد بقاء القوات الاميركية في العراق بعد عام 2011.ويبدو ان الوزير الجديد الذي جاء الى ميدان العسكر من كواليس المخابرات، حرص ما ان تطأ قدماه ارض العراق على ان يطلق رسالة للقوى السياسية العراقية ، خصوصا تلك التي تتبنى مواقف متشددة حيال واشنطن ووجودها العسكري في العراق مفادها ان الولايات المتحدة باقية في العراق سواء وافق العراقيون على ذلك ام لم يوافقوا، حينما صرح قائلا "اننا سننفذ عمليات عسكرية منفردة ضد الميليشيات المسلحة المدعومة من ايران، وسنتخذ اجراءات من جانب واحد إذا تطلب الأمر ذلك لمعالجة هذا التهديد".واوضح بانيتا ان مهمته في العراق تتمحور حول الضغط على المسؤولين العراقيين لاتخاذ قرار بشأن الوجود العسكري الامريكي".وبحسب اوساط مطلعة فأن الوزير الجديد جاء الى بغداد حاملا في جعبته خيارا واحدا ليضعه امام الساسة العراقيين الا وهو الابقاء على القوات الاميركية في العراق بعد عام 2011، بأي صيغة يقررونها ويتوافقون عليها بشرط ان تأتي منسجمة مع تصورات واشنطن.وقبل ان يأتي بانيتا الى بغداد فأنه حرص على دراسة تقارير وردت اليه من السفير الاميركي في بغداد جيمس جيفري تضمنت تفاصيل عن مجمل مواقف الكتل السياسية العراقية حيال موضوعة بقاء القوات الاميركية في العراق الى مابعد عام 2011، كانت خلاصتها ان ثلثي اعضاء البرلمان العراقي(325 نائبا) والمؤلف من عدة كتل وقوى سياسية يؤيدون بقاء القوات الاميركية في بلادهم.بيد انه اصطدم بواقع مختلف تماما على الارض، اذ انه بعد وصوله الى العاصمة العراقية بساعات قلائل تلقى تقريرا مطولا عن مواقف سياسية رافضة للوجود العسكري الاميركي من قبل مختلف القوى، ما عدا الاكراد. وحينما طرح الموضوع على رئيس الوزراء العراقي قال له "ان موضوع تمديد وجود قواتكم يتطلب موافقة كل الاطراف المشاركة في العملية السياسية"، بينما رد عليه رئيس الجمهورية جلال الطالباني قائلا بأن "الامر معقد وصعب جدا.. ويتطلب مزيدا من الوقت للتوصل الى صيغة حل".وبما ان الوزير بانيتا وصل منذ وقت مبكر من زيارته الى قناعة مفادها انه من غير الممكن بالمرة ابرام اتفاقية امنية جديدة بين بغداد وواشنطن، في ظل الاوضاع السياسية المرتبكة والمواقف المعقدة والمزايدات المحتدمة في المشهد العراقي، لذا اوعز بالاسراع في ابرام بروتوكولات بمستوى وزاري بحيث لايستلزم اقرارها والمصادقة عليها ان تمر بالبرلمان العراقي، أي بعبارة اخرى يصار الى تفكيك الاتفاقية الامنية الى مجموعة اتفاقات تعطى لها تسميات اخرى، تضمن في نهاية المطاف بقاء خمسة وعشرين الف جندي اميركي في ادنى التقادير.وبالفعل فأن وسائل الاعلام العراقية تحدثت مؤخرا عن ابرام مايسمى بأتفاقية التسليح والتدريب بين وزارة الدفاع العراقية ونظيرتها الاميركية، فضلا عن صياغة مسودة بروتوكول يقضي بتحديد تسعة مواقع عسكرية اميركية في خمس محافظات عراقية هي بغداد والبصرة والموصل وكركوك واربيل لتوفير الحماية للقنصليات والممثليات الدبلوماسية الاميركية في هذه المحافظات.ولعل ليون بانيتا-وبعد ان وجد ان الامور على قدر كبير من التعقيد في بغداد-توجه الى اربيل للقاء رئيس اقليم كردستان وكبار القادة الاكراد لحثهم على بذل مزيد من الجهود لحلحلة الامور مع اصحاب الشأن في العاصمة.وتنقل صحيفة نيويوك تايمز بعددها الصادر في اليوم الثاني لزيارة بانيتا الى العراق عبارات للاخير تعكس تذمره واستياءه مما شاهده وسمعه من العراقيين والذي جعله يفشل في بلورة تصور واضح يمكنه من خلال التقدم الى الامام.والظاهر بحسب المعطيات القائمة ان فترة الاسابيع القلائل المقبلة ستشهد زيارات لعدد من المسؤولين الاميركان الى العراق لتحقيق ما فشل في تحقيقه ليون بانيتا، ويدرك اصحاب القرار في واشنطن ان عامل الوقت بات محرجا بالنسبة لهم، وما يزيده احراجا طبيعة الاوضاع السياسية المعقدة والشائكة في العراق، والتي لم يفلح بانيتا في فك بعضا من عقدها لاسيما تسمية الوزراء الامنيين واقرار المجلس الاعلى للسيلسات الاستراتيجية.واذا لم نقل ان بانيتا قد فشل في مهمته الاولى بالعراق، فأن اية مؤشرات للنجاح لم تظهر على الارض وكذلك لم تلح في الافق.
https://telegram.me/buratha