حســـين الصـــدر
السيولة العجيبة ساورتني الشكوك ،حتى لقد صار احتمال إصابة أحد السياسيين المعروفين بداء النسيان وارداً الى حد بعيد ..!!لقد كثُرتْ تصريحاتُه فكثرت تناقُضاته ،الى درجةٍ تثير الإشفاق ..!!وهو لم يوّفر أحداً على الإطلاق ،لا من رموز السلطة التشريعية ، ولا من رموز السلطة التنفيذية ،ولا من فرسان الساحة السياسية على سعة امتداداتها ....وهو متابِع جيّد ،ومع هذه المتابعات تتوالى كلماتهُ التي كثيراً ما تتذبذب ، ويتحول مسارها من خندق الى خندق ،بحيث يمكن القول بانه سريع التغيير لما يُبديه من آراء وما يطرحه من رؤىً وتصورات .الاّ أنه مع ذلك كله ،يبقى مسموعاً من قبل الجماهير العريضة .والسرّ في ذلك صراحتُه وجرأتُه ومحاولاتُه التزام الموضوعية والعقلانية ، بعيداً عن مخاتلات الحزبيين ، ومناورات المحترفين السياسيين .انّ له مزية إطلاع الشعب على ما يجري ، في حين يلتزم زملاؤه صمت الموتى في القبور .التناقض في البيانات الرسمية :ان مسألة التناقض والاختلاف في البيانات الرسمية ، أضحت ظاهرة بارزة للعيان ولعلّ التقرير البرلماني ،عن تهريبَّ عتاة المجرمين الإرهابيين من سجون البصرة وما رافَقَه على مدى عدة أيام من تصريحات بعض أعضاء اللجنة البرلمانية الخاصة بالتحقيق خير مثال على ما نقول .أنَّ نتائج التحقيق غايرت بالكامل ما أذاعه مكتب رئيس الهرم الحكومي ، حيث بَرَّأ من أُتُهِمَ بالتواطؤ مع المجرمين المهربين .وهنا يقع المواطن في حيرة من الأمر فالى من يستمع ؟ ومن ذا الذي يُصدّقه ويرّجح قوله ؟ان الإساءة الحقيقية للعملية السياسية ،تكمن في أمثال هذه المفارقات .لماذا ؟لأنها تسلب الثقة ، وتكشف عن أنَّ الأمور تجري وفق مقاييس معيّنه ، لا تتطابق بالضرورة مع مجرى الوقائع والحقائق ....وهنا تكمن الطامة .وهكذا الحال في ما أذيع رسمّياً بشأن عملية اغتيال "علي اللامي"، والطريقة التي اغتيل بها فما صرّح به اللواء (قاسم عطا) يختلف تمام الاختلاف عما صرّح به بعض العاملين في مكتب اللامي .وكل ذلك يوجب الارتباك ،ويدعو الى إشاعة الضبابية ،وفقدان المصداقية، ،مما يكون مردوده السلبي في المحصلة النهائية ،كبيراً للغاية .انَّ من مبتكرات بعض المتحذلقين ،اعتبار الانتقادات الموجهّة الى كتلته السياسية إضعافاً للعملية السياسية ، وطعناً بها ، مع اننا أمام مسألتينْ لا تلازم بينهما على الإطلاق .انه بهذا المنحى ، يُسبغ على كتلته السياسية هالةً معيّنة ً يصبح الحديث السلبي عنها نسفاً لكل المكتسبات السياسية في العراق الجديد ..!!وربما اعتبر المساس به ، مساساً بالتجربة الديمقراطية في العراق ..!!ان هذه المحاولات البائسة ،لا تنطلي على أحد من النابهين .وانها مظهر من مظاهر الالتواءات الكثيرة والمنعرجات الخطيرة في مسار العمل الوطني .مع المواقع الاخبارية :والشكوى من إرسال الكلام على عواهنه من دون تَثُبْتٍ وتمحيص شكوى عامة عند جمهور المواطنين .انَّ الكثير مما نقرؤه في المواقع الخبرية ينطوي على مجازفات وأوهام ، وكل ذلك مما يزيد الطين بلةً في الوقت الذي تشتد فيه الحاجة الى الخبر الصادق والموقف الناطق ....ما لم يعتد عليه المحترفون السياسيون :والمواطن هو أخر من يخطر على بال عامة المحترفين السياسيين مع أنه يجب ان يكون محط أنظارهم في كل قول أو فعل لقد تجمعّت أطنانٌ من البيانات والبلاغات والمنشورات عن الاستحقاقات التي لم ينقطع الحديث عنها عند هذه الجهة أو تلك وهذا السياسي أو ذاك .وهذا التعبير يثير المواجع في نفوس المواطنين لأنه يكرّس فكرة احتلاب العراق والاستحواذ على المزيد من المكاسب والمناصب لهذه الجهة أو تلك ، بعيداً عن حسابات المصالح العليا للبلد ، واستحقاقات المواطنين أنفسهم ، في الحياة الحرّة الكريمة والتي ظلّت عبر السنوات العجاف الثمان الماضية ضرباً من ضروب الأحلام .انّ الحديث عن العمل الحثيث من أجل إنصاف المتقاعدين مثلاً - وهم أكبر الشرائح المظلومة في العراق بعد رحلة عناء طويلة قضوها في خدمة الوطن والمواطنين - يفوق بأهميته كل ألوان الحديث عن الاستحقاقات الانتخابية وما سواها من المكاسب والامتيازات ، ذلك ،لأنه يكشف عن إحساس عميق بما تعانيه هذه الشريحة وهذا الإحساس هو دليل التفاعل مع مشكلاتهم وحمل همومهم .وكلُّ ذلك مما يعمّق الصلة بين المسؤولين والمواطنين وهي حجر الأساس في الحاضر والمستقبل .انّ مَنْ خُدع من المواطنين العراقيين بالوعود الكاذبة والشعارات الزائفة والبراقع العديدة ‘لا يستطيع أولئك المتمرسون في الخداع ان يوقعوه في الفخّ مرة أخرى، وهذه هي الخسارة الكبرى .
حســـين الصـــدر
https://telegram.me/buratha