عادل العتابي
قبل سنوات قليلة وفي تقاطع معمل شابي للمشروبات الغازية الذي يقع على حافة مطار المثنى في قلب بغداد،وبعد ان خففت من السرعة نتيجة لتوقف السيارة التي كانت امامي،انحنى شرطي المرور برتبة عسكرية بسيطة ووجه باسم ليقول لي: لابد وانك نسيت ربط حزام الامان! ثم رفع قامته الممشوقة واشار لي باستمرار السير،منذ ذلك اليوم وانا اقوم بربط حزام الامان قبل ان تتحرك السيارة من الشارع الذي اركنها فيه،احتراما وتقديرا لما قاله ذلك الشرطي من كلام طيب،وما قام به من فعل انساني نبيل.قبل ايام اوقفني ومن دون عشرات السيارات المارة شرطي المرور في تقاطع جامع النداء في الوزيرية،كان شابا صغيرا بالعمر تسقط شعرات طويلة شقراء من راسه على جبينه رغم انه كان يرتدي غطاء الراس،وبعد ان استقر في مكانه سألني ان كنت احمل معي مثلث المرور الاحمر ومطفأة الحريق فاجبت بأني احمل في سيارتي المثلث من دون المطفأة،لاني لااعرف المواصفات المطلوبة من قبل المرور للمطافيء وان هناك العشرات منها المختلفة بمواد التعبئة والاحجام وكل واحدة مختصة بالحريق الذي ينشب في السيارة،فالمطفأة الخاصة بالحريق الذي ينشب من جراء احتراق الوقود هي غير المطفأة التي تستعمل لاخماد حريق الخشب وهكذا.قبل ان يطلب الشرطي مني بان اترجل من السيارة ليقودني الى الضابط،قال : عسى ان يساعدك الضابط وان شاء الله سهلة،ضحكت وقلت ان شاء الله سهلة! ،حمل الشرطي هوية الصحفيين التي تؤكد باني اعمل رئيسا للتحرير مع سنوية السيارة واتجه الى الضابط الذي كان اقرب الى كونه ضابطا في مكافحة الاجرام من كونه ضابطا للمرور،وقال الشرطي بصوت خافت لكني سمعته بوضوح: انه مخالف سيدي ولايحمل مطفأة.. قلت في نفسي بعد ان القيت السلام على الضابط :هذه اول خديعة؟ فاين الكلام من ان الضابط سيساعدك وسهلة ؟؟نظر الضابط طويلا الى الهوية والسنوية ولم يرد السلام،فيما كنت اقف متسمرا في مكاني،نظر مرة اخرى ونفث دخان سيكارته،ثم سحب نفسا عميقا منها ،بعدها ترك القلم الذي كان يحمله على الصندوق الخلفي لسيارة المرور،قبل ان يفتح دفتر الغرامات الذي يحمله،عاد مرة اخرى ليضع جهاز المناداة الذي يحمله في مكان القلم ويرفع القلم مجددا بيده،نظر الى هيئتي اخيرا وكأنه سيتخذ القرار الاخير الخاص بحياتي ومن دون اية كلمة وبعد تردد كبير لاحظته على محياه سجل الغرامة بمبلغ ثلاثون الف دينار لعدم حملي المثلث والمطفأة،واعطاني الوصل مع السنوية وسمعت صوته لاول مرة عندما طلب مني ان ادفع الغرامة في بناية مرور باب المعظم.اثناء توقفي في التقاطع مرت سيارات عديدة مسرعة ومن انواع واشكال شتى لم يطلب احد من المرور منهم ما تم طلبه مني، كما مرت سيارات من دون ارقام تحمل اشخاصا من دون هويات الا ان تلك العجلات السريعة تضع المنبهات الخاصة في كل مكان من السيارة،فيقوم رجال المرور بفتح وفسح المجال امامها،وقلت في نفسي ربما لايصل احد من الراكبين في تلك السيارات الى مستوى سكرتير تحرير او صحفي عراقي شريف من اي موقع يعمل يدفع دمه كل يوم ثمنا لكلمته الحرة،الا انهم يمرون معززين مكرمين من قبل رجل المرور،الذي يقوم بخديعة امثالي ممن لايحملون مثلث للمرور ومطافاة للحريق ،لكنهم دائما يحملون قريبا من قلوبهم اقلامهم الكريمة فانهم الصحفييون وهم هوية البلد وعنوانه للمساهمة من خلال كتاباتهم في عدم نشوب الحريق الاكبر وهو حريق الطائفية او حريق النزاهة والكفاءة،وانها حرائق اكبر بكثير من حريق السيارة،لكن العقوبات تطال الصحفيين دوما بسبب او من دون سبب.
https://telegram.me/buratha