كريم الوائلي
القرار الشعبي العراقي باسقاط النظام البعثي عام 1991 لم يأتي عبر توليفة ((بيان رقم واحد )) الذي تذيعه ثلة من طلاب السلطة من المغامرين العسكرين والانتهازيين ، انما جاء بسيل جماهيري جارف انطلق من النجف الاشرف ، دارت الدور الرسالية ومحط انظار الحواظر الاسلامية متجهة الى القلعة الكونية للحرية والتحرر في كربلاء الحسين وفي يوم 15 من شعبان يوم عيد العدل الألهي المنتظر . . فكان قرار الوثوب على الطغيان قرارا مجسدا بانتفاضة شعبية سلمية واجهت كل اصناف الاسلحة الهجومية للنظام ، وكانت الانتفاضة الاولى من نوعها كونها خارج انساق الانقلابات الحزبية التي شكلت متوالية دموية دفع الشعب العراقي ثمنها غاليا كما كانت رسالة عملية الى شعوب وحكومات العالم لالفات نظرهم الى ما كان يجري في هذه البقعة من العالم فكانت رسالة خارقة لجدار الصمت المفروض عليها لحجب مظلومية الشعب العراقي وتوحدهم في مقارعة اعتى واقسى واشرس نظام عرفه العالم ، وهي اول انتفاضة شعبية رفعت راياتها من قمصان شهداء الانتفاضة مضمخة بدماء الثوار . ان الانتفاضة الشعبانية هي الاولى التي شهدتها المنطقة في وقت دخلت فيه شعوبها سبات مطبق فيما راحت الانظمة الدكتاتوية تجّذرسلطتها الاستبداية وتعزز ادواتها القمعية فجاءت الانتفاضة في العراق عام 1991 بمستوى جديد من الثورة لم تألفه المنطقة حيث انها استهدفت ادات السلطة القمعية المتمثلة بالحزب الحاكم وكان من جراء ذلك انفجارانتفاضات شعوب المنطقة على الادوات السلطوية المماثلة لحزب البعث في دول المنطقة العربية وعلى ذلك فأن العراقيين بذروا بذرة النهضة والتحرر في الشرق الاوسط فكان لهم الشرف ان يكونوا في طليعة الشعوب العربية التي افتتحت عصر تغيير ادوات الحكم في دول المنطقة من ادوات حزبية متحجرة الى ادوات ديمقراطية تساير العصر والتمدن بوصفهم قد دشنوا بداية الربيع العربي فكانت انتفاضتهم الشعبانية كالازميل الذي يدق بالحجر الصلد لتوقض شعوب المنطقة وتدفعها الى المعترك التحرري كما هي عليه اليوم . واذا كانت ثورة الامام الحسين عليه السلام قد زعزعت الحكم الخلافوي الاموي المستبد وجسدت انتصار الدم على السيف فأن الانتفاضة الشعبانية الشيعية العراقية قد زعزعت النظام السياسي العربي السلطوي المتحجر وجسدت انتصار شعوب المنطقة على سوط الجلادين واسلحة الابادة الجماعية . وعندما قمع النظام الدكتاتوري البعثي الانتفاضة الشعبانية واجهز على شبابها وقادتها التفت النظام الى اتخاذ خطط وتدابير وقائية غاية في القسوة والارهاب وفي مقدمة هذه التدابير ملاحقة الثوار في الداخل والخارج واقتفاء جذوة التمرد والثورة على حكمه واطفاء وهجها إلاّ انه فشل في ذلك كون ان نتائج الثورة جعلت من الانتفاضة اشد عودا واكثر صلابة من منظومات النظام البعثي القمعية . وكما كان النظام قد أمن ردود الافعال الدولية المضادة له وشجعه الصمت العالمي على المضي اكثر في قمع الشيعة العراقيين فأن رجال الثورة ، من جانبهم ، قد توجهوا الى العمل المثابر في الجبهة الدولية من خلال المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني والامم المتحدة وابراز قضية الشعب العراقي وفضح دور دول التحالف التي غظت النظر عن اساليب النظام في قمع الانتفاضة الوطنية واوحت له بالرضا عن جرائمه فما كان منه إلاّ الامعان بأبادة الشعب بكل انواع الاسلحة المحرمة دوليا فأثار ذلك غضب الشعوب الحرة ولا سيما شعوب دول التحالف نفسها حيث واجهت انتقادات واسعة من الرأي العام العالمي فخشيت دول التحالف من ان تكون طرفا في جرائم الابادة الجماعية التي انتهجها النظام البعثي على مرأى ومسمع من الضمير الانساني وعندها غيّرت دول التحالف اساليب تعاملها مع النظام واضفت على عملها شئ من الجدية فأستمرت جذوة التمرد والانتفاضة الشعبية بالاتقاد حتى استحالت الى حريق شامل عندها لم تجد دول التحالف بدا من مهاجمة النظام الدكتاتوري الذي احاله الثوار الى هيكل كارتوني اطاحت به قوات التحالف بكل سهولة ويسر . بعد تكلل الانتفاضة الشعبانية بالانتصار وظهور دولة العراق الجديد بعد عام 2003 ظهر على ارض الواقع النظام الدولي الجديد بعد ان كان في مرحلة التنظير ودخل العالم في مرحلة الجيل الرابع من حقوق الانسان والذي يقضي بأسقاط الانظمة الاستبدادية التي تمعن بالانتقام من شعوبها وتمارس الابادة الجماعية ضدها وقد كان ذلك نتاج انساني للانتفاضة الشيعية .ان واحدة من اهم الثمار العالمية للانتفاضة الشعبانية عام 1991 في العراق انها مهدت الطريق امام انزال الجيل الرابع من حقوق الانسان والذي يفعل فعله اليوم في ليبيا وربما في بلدان اخرى قريبا من اجل تحرير الشعب الليبي وشعوب عربية اخرى .ولسوف تتحدث الاجيال العربية والاسلامية عن جهادية شيعة العراق خاصة والشعب العراقي عامة بوصفهم دشنوا عصر جديد من التحرر والاطاحة بمنظومات الحكم العربي المتحجر واوقدوا شعلة الحرية في المنطقة .
https://telegram.me/buratha