حافظ آل بشارة
دائما نسمع اصواتا في الاعلام تنتقد ظاهرة اهمال الاعمار والاستثمار ، بعض الناقدين هم ممن تعلموا على العمولات لكنهم يتحدثون بلغة اصحاب القضية ، وعندما ارادت الحكومة ان تدفع عن نفسها تهمة اهمال الاعمار سارعت فورا الى استدعاء مستثمرين اجانب لتستعرضهم امام الكاميرات سودا وبيضا وبعضهم عيونه بالطول والآخر بالعرض ومن بلدان متعددة المشارب ، يعتقدون ان الاعمار يجب ان يكون على هذه الشاكلة ، لكن مفكري هذا البلد الذين لا كرسي لهم في الحكومة ولا في البرلمان ولا في الاحزاب يعتقدون ان العراق مهدم بشريا وعمرانيا ويحتاج الى تنمية شاملة ، الاعمار جزء واحد من التنمية ، التنمية مفهوم واسع يضم الاعمار وغيره ، التنمية عملية اصلاحية متعددة الاغراض منتظمة ومتوالية زمنيا فهي ارتقاء حضاري ، سميت تنمية لانها تضم اصلاحات مادية ومعنوية وانسانية وعمرانية ، المشكلة لاتحل بتوقيع عقود مع شركات اجنبية ، فالشركات تقوم بالعملية الاسهل من التنمية ، فقد تبني مصانع ومعامل وطرق وجسورا ومجمعات سكنية لكنها في النهاية تسلمها الى المجتمع الذي يجب ان يتحمل التشغيل والادارة والصيانة . لا بد من الأيمان بأن البناء المادي المتطور الصناعي والعمراني هو نتيجة حسية لتراكم معنوي استغرق اجيالا ، فتراكم التطور المعنوي ينتج تطورا ماديا ، هناك دولة وشعب ورؤية كونية وعقيدة ونظام تعليم وخبرات علمية وعلاقات اجتماعية وتشريعات ونظام تنفيذي وحريات وحقوق انسانية واطار اخلاقي ، وسلطة معنوية لمفهوم الوطن الواحد تغلب على اي انتماء ثانوي وثقة قوية بين المكونات ، وثقة بالنفس وعدم الشعور بالانسحاق امام الاجانب ، هذه الخلطة الكثيفة من المفاهيم التي تدخل في تربية الانسان تجعل المجتمع ينمو معنويا بالاتجاه الصحيح فيكون التطور المادي تحصيل حاصل لهذا الارتقاء الحضاري المنظم ، نحن الآن نشتغل بالمقلوب نريد ان نقوم بالاعمار المادي بدون تنمية شاملة ، اي اعمار الجدران واهمال الانسان ، وكان المطلوب من الحكومة ان تستغل الدعم العالمي والاقليمي لها وتستغل الخطوات التي تحققت في طريق الديمقراطية وان كانت بسيطة للشروع ببرنامج تنمية شاملة لترسيخ القيم المذكورة ، ربما ننجح بسبب الاموال النفطية الهائلة في بناء العراق عمرانيا وصناعيا ولكن هذا البناء سوف يتم تسليمه الى مجتمع مهدم لا يحسن استخدامه ولا يحسن تشغيله او استثماره ، عندها سيمارس الناس عملية تحطيم هذه البنية المتطورة بشكل تدريجي ، هذا بلد يفتقد كثيرا من عناصر البنية الانسانية ، بناء الانسان لا يتم عبر شركات اجنبية بل هي مهمة الاسرة والمدرسة والمسجد واجهزة المرجعية ومنظمات المجتمع المدني ، من جديد نسأل اين دوائر الاععمار الثقافي للمجتمع مثل وزارة الثقافة ، شبكة الاعلام العراقية ، ماذا قدما حتى الآن ؟ هل توجد في اوراق الحكومة عبارة (التنمية الثقافية)؟ الله اعلم .
https://telegram.me/buratha