قيس السهلاوي
عندما تم تشكيل الحكومة الحالية بعد مفاوضات شاقة وصعبة وشروط وتنازلات عكست وجود ازمة بالثقة بين الإطراف والمكونات السياسية كان الجميع يظن إن الازمة السياسية التي عاشتها البلاد خلال اكثر من ثمانية اشهر قد انتهت والتي جعلت من البلاد صاحبة اشهر رقم قياسي في العالم في البقاء من دون حكومة بالرغم من أجراء الانتخابات التي شهدت مشاركة شعبية واسعة وكثيفة ,لكن الطريقة التي اخرج بها سيناريو تشكيل الحكومة عكست التوجس والحذر والخروج بحلول ترقيعية مؤقتة كانت بالنهاية على حساب المواطنين العراقيين اللذين شهدوا ظهور حكومة منقوصة من حيث عدد الحقائب الوزارية التي بقيت من دون اختيار وزراء امنيين ,حيث التجاذبات والتقاطعات واختلاف الرؤى والتفسيرات والشكوك والطعون التي جعلت من عملية اختيار الوزراء الأمنيين امرا صعبا ومعقدا ولغزا عصيا على الحل كلغز مثلث برمودا وربما سينتهي عمر الحكومة الحالية والتي ربما لن تشهد اختيار وزراء أمنيين ,حيث انتهت السقوف الزمنية التي حددت لاختيار الوزراء الامنيين من دون الاتفاق على اختيار أي مرشح . رئيس الوزراء يصر على اختيار وزراء مستقلين بينما مرشحه لوزارة الداخلية من حزب الدعوة ويتهم باقي الإطراف الأخرى بانها مرشحيها من الحزبيين . البرلمان اخفق هو الآخر في الإمساك بزمام اللعبة وذلك عندما وقع النواب في فخ الحزبية ,حيث انقسموا واختلفوا على المرشحين . بقاء البلاد من دون وزارات امنية ينذر بأخطار كبيرة ومجازفات ليست مأمونة العواقب. الواضح ان غياب الثقة وتصاعد حدة الخلافات السياسية لن تسمح بحل هذه الازمة عن قريب والتي ستستغرق شهورا اطول والتي ستجعل البلاد تواجه فراغا في الملف الامني ,اذ ان ادارة الوزارات الأمنية بالوكالة لا تعطي نفس النتائج التي يعطيها وجود وزير متخصص ومنتخب دستوريا ويكون مسؤولا امام البرلمان عند أي تقصير او خلل يحدث ,.عملية اختيار الوزراء الأمنيين يجب ان تتم وفق معايير الاستقلالية والكفاءة والنزاهة وليس على أساس الانتماءات الحزبية الضيقة التي الحقت الضرر الفادح بالبلاد وأدت الى تولي شخصيات محسوبة على جهات سياسية معينة لملفات أمنية معقدة انعكست بالسلب على الوضع الأمني للبلاد ,إضافة الى انه جعلها فوق عملية المساءلة والمحاسبة بسبب الغطاء السياسي المقدم لها مما جعلها تتمادى في أخطائها وتتجاهل أية اعتراضات او انتقادات او مطالبات باقالتها رغم الاخفاقات والخروقات الكبيرة التي حصلت ابان فترة استيزارها ,اضافة الى ان بعضا منها كان يمتلك حزبا سياسيا وهو امر مخالف للدستور وللاتفاق السياسي غير المكتوب بان تكون الوزارات الامنية بعيدة عن التحزب والمحاصصات السياسية . الملف الامني المعقد والخطير في العراق يحتاج في الواقع الى شخصيات كفوؤة ومستقلة تكون مسؤولة امام البرلمان عن ادائها وعن اية خروقات امنية قد تحصل فيها ,إضافة إلى إتاحة الفرصة أمام هؤلاء الوزراء الأمنيين للقيام بعملهم بطريقة لا تكون فيها أية آثار جانبية للتدخلات الحزبية والسياسية التي تعد من ابرز العراقيل التي تحيط بطريقة معالجة الملف الأمني في البلاد ,اذ انه عندما تكون الوزارات والمؤسسات الامنية عرضة للتدخل الحزبي والسياسي والطائفي فانه سيكون محكوما على ادائها بالفشل مسبقا لانه سيحرمها من اية كفاءة حقيقية التي ستنعدم فرصها في العمل بسبب هيمنة الاحزاب عليها وهو ما يعيدنا الى مربعات سابقة . عدم اكتمال ملف تشكيل الحكومة وابقاء الوضع على ماهو عليه ليس صحيحا ويعرض البلاد إلى أزمات عميقة قد تحدث الآن وفي المستقبل وسوف يفقدها ميزة الاستقرار التي قد تعني للمواطن العراقي البسيط الشيء الكثير ,بل ان امور البلاد الرئيسية والمهمة ستبقى متوقفة عليه مثل عملية الاعمار والاستثمار وحتى الملفات الحدودية العالقة مع دول الجوار ستكون رهنا هي الأخرى بالموقف السياسي العام في البلاد .
https://telegram.me/buratha