السيد حسين الصدر
قال الشاعر :ليس مَنْ مات فاستراح بَميْتٍ انما المَيْتُ مَيِّتُ الأَحْياءِ انما المَيْتُ مَنْ يعيش كئيباً كاسِفاً بالهُ قليلَ الرجـــاءِ للدنيا بوابتان كبيرتان :تدخل من احدهما في كل لحظة أفواج تكاد لا تُحصى ،ممن يُطلّون على هذا العالم ، ويبدأون المشوار ويخرج من الثانية في كل ثانيةٍ اخرون ،مُودعِين راحلين الى الدار الأخرى قال الشاعر :رأيت بني الدنيا كفَوجَيْنِ كلَّما تَرَّحَلَ فَوْجُ حَلَّ في إثره فَوْجُوبالموت ، تنتهي الغصص والآلام وتختفي المعاناة تحت التراب ...تماماً كما تنتهي أيام السعادة والنشوة والرخاء والمُتع واللذاذات ...فالرحيل عن الدنيا هو المقطع الحاسم الذي لا يُبقي على شيء من المرارة أو الحلاوة .انهما ينتهيان ساعة خروج الروح من البدن وتلك هي سنةُ الله في خلقه .لكنْ ماذا عن الذين لم تأزف حتى الان ساعةُ رحيلهم ؟انّ هؤلاء يشكلون اليوم أرقاماً فلكية ، تبلغ بضع مليارات من البشر ، يملأون قارات العالم بأسودهم وأبيضهم وأصفرهم وبمختلف لغاتهم وقومياتهم وأديانهم .....والسؤال الآن :ما هو القاسم المشترك بينهم ؟ان هموم الانسانية واحدة وليس ثمة انسان على سطح هذه الكرة ، لا يطمح الى الحياة الحرة الكريمة التي يمارس فيها عباداته ونشاطاته ، بعيداً عن كل ألوان الأكراه أو التضييق فكرامة الانسان وضمان حرياته هي الأنشودة التي تنفرج عنها شفاه الآدميين أينما كانوا في شرق الأرض أو غربها .واذا كانت الدول المتحضرة توّفر لمواطينها وسائل الأمن والاستقرار النفسي وتلّبي احتياجاتهم المشروعة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمة والثقافية .....، فان هناك شعوباً كثيرة محرومة من ان تنال أبسط حقوقها ، وبالتالي فهي تعيش الفاقة والبؤس وتصطلي بنيران الحرمان ...وايا كانت اسباب ذلك ، سياسيّه كما هو الحال في ظلّ الانظمه الشمولية أو اقتصادية كما هو الحال في البلدان الفقيرة فان النتيجة واحدة .انه الكابوس الجاثم بثقله على صدور البائسين المكروبين .ان أبلغ تعبير عن هذا الكائن البشري الغارق بالأشجان والمتعب الرازح تحت وطأة المعاناة الرهيبة هو ان يُسمّى ب ( ميت الأحياء ) :انه ميّت لأنه مبتلىً بالعَدَم الذي يُلحقه بالموتى ...وانه حيّ بمعنى استمرار عمليات الشهيق والزفير عنده ، ولكنْ دون ان ينعم بالطيّبات .وحين يدور الأمر بين ميتةٍ مريحة ،أو حياة مميته ، فلاشك ان الميتة المريحة هي الأجدى .قال الشاعر وهو يصف هذه الحالة :ألا موتٌ يُباع فأشتريه فهذا العيش ما لا خيرَ فيهِ والعراق الحبيب من أغنى البلدان في العالم لا بثروته النفطية والمعدنية فحسب ،بل حتى بثروته البشرية :بعلمائه الأفذاذ ، وخبرائه الماهرين ،وقوافل الأكادميين والجامعيين الناهبين، ومع ذلك كله فان الملايين من أبنائه اليوم هم من - الموتى الاحياء - على حد تعبير الشاعر .انها لغصةٌ كبيرة ، وأزمةٌ خطيرة ، ان تؤول الأوضاع الى الدرجة التي يتمنى فيها الانسان العراقي المكروب ان يعاجله الموت المريح لتنتهي رحلةُ عذاباته ،أو ينتهي به المطاف الى أنْ يصدق عليه الوصف المذكور ليكون واحداً من ( الموتى الأحياء ) ..!!على من تقع المسؤولية ؟أليست حماية المواطنين وإشباع حاجاتهم الآنية ،هي المهمة الأساسية لكل المتلبسين بالسلطة ؟فأين هم من هموم الناس ؟ولماذا تتراكم التقصيرات في ميادين خدمتهم ؟ولماذا تُنحر الطاقات والعقول العراقية المُبدعة ، بمعادلات المحاصصات المقيتة؟ولماذا تستمر عمليات النهب والسرقة للمال العام دون رادع ؟ولماذا يستحوذ السياسيون المحترفون على كل المكاسب والأمتيازات على حساب من أوصلهم الى كراسيهم ؟إنّ الازمة في الأساس أزمة أخلاقية ،وليست أزمةً سياسية أو أمنية .وها نحن نقرع أجراس الانذار فالربيع العربي يكتسح البلدان والأقطار .
حســـين الصـــدر
https://telegram.me/buratha