المقالات

الربيع العربي وميت الاحياء

1399 18:57:00 2011-07-25

السيد حسين الصدر

قال الشاعر :ليس مَنْ مات فاستراح بَميْتٍ انما المَيْتُ مَيِّتُ الأَحْياءِ انما المَيْتُ مَنْ يعيش كئيباً كاسِفاً بالهُ قليلَ الرجـــاءِ للدنيا بوابتان كبيرتان :تدخل من احدهما في كل لحظة أفواج تكاد لا تُحصى ،ممن يُطلّون على هذا العالم ، ويبدأون المشوار ويخرج من الثانية في كل ثانيةٍ اخرون ،مُودعِين راحلين الى الدار الأخرى قال الشاعر :رأيت بني الدنيا كفَوجَيْنِ كلَّما تَرَّحَلَ فَوْجُ حَلَّ في إثره فَوْجُوبالموت ، تنتهي الغصص والآلام وتختفي المعاناة تحت التراب ...تماماً كما تنتهي أيام السعادة والنشوة والرخاء والمُتع واللذاذات ...فالرحيل عن الدنيا هو المقطع الحاسم الذي لا يُبقي على شيء من المرارة أو الحلاوة .انهما ينتهيان ساعة خروج الروح من البدن وتلك هي سنةُ الله في خلقه .لكنْ ماذا عن الذين لم تأزف حتى الان ساعةُ رحيلهم ؟انّ هؤلاء يشكلون اليوم أرقاماً فلكية ، تبلغ بضع مليارات من البشر ، يملأون قارات العالم بأسودهم وأبيضهم وأصفرهم وبمختلف لغاتهم وقومياتهم وأديانهم .....والسؤال الآن :ما هو القاسم المشترك بينهم ؟ان هموم الانسانية واحدة وليس ثمة انسان على سطح هذه الكرة ، لا يطمح الى الحياة الحرة الكريمة التي يمارس فيها عباداته ونشاطاته ، بعيداً عن كل ألوان الأكراه أو التضييق فكرامة الانسان وضمان حرياته هي الأنشودة التي تنفرج عنها شفاه الآدميين أينما كانوا في شرق الأرض أو غربها .واذا كانت الدول المتحضرة توّفر لمواطينها وسائل الأمن والاستقرار النفسي وتلّبي احتياجاتهم المشروعة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمة والثقافية .....، فان هناك شعوباً كثيرة محرومة من ان تنال أبسط حقوقها ، وبالتالي فهي تعيش الفاقة والبؤس وتصطلي بنيران الحرمان ...وايا كانت اسباب ذلك ، سياسيّه كما هو الحال في ظلّ الانظمه الشمولية أو اقتصادية كما هو الحال في البلدان الفقيرة فان النتيجة واحدة .انه الكابوس الجاثم بثقله على صدور البائسين المكروبين .ان أبلغ تعبير عن هذا الكائن البشري الغارق بالأشجان والمتعب الرازح تحت وطأة المعاناة الرهيبة هو ان يُسمّى ب ( ميت الأحياء ) :انه ميّت لأنه مبتلىً بالعَدَم الذي يُلحقه بالموتى ...وانه حيّ بمعنى استمرار عمليات الشهيق والزفير عنده ، ولكنْ دون ان ينعم بالطيّبات .وحين يدور الأمر بين ميتةٍ مريحة ،أو حياة مميته ، فلاشك ان الميتة المريحة هي الأجدى .قال الشاعر وهو يصف هذه الحالة :ألا موتٌ يُباع فأشتريه فهذا العيش ما لا خيرَ فيهِ والعراق الحبيب من أغنى البلدان في العالم لا بثروته النفطية والمعدنية فحسب ،بل حتى بثروته البشرية :بعلمائه الأفذاذ ، وخبرائه الماهرين ،وقوافل الأكادميين والجامعيين الناهبين، ومع ذلك كله فان الملايين من أبنائه اليوم هم من - الموتى الاحياء - على حد تعبير الشاعر .انها لغصةٌ كبيرة ، وأزمةٌ خطيرة ، ان تؤول الأوضاع الى الدرجة التي يتمنى فيها الانسان العراقي المكروب ان يعاجله الموت المريح لتنتهي رحلةُ عذاباته ،أو ينتهي به المطاف الى أنْ يصدق عليه الوصف المذكور ليكون واحداً من ( الموتى الأحياء ) ..!!على من تقع المسؤولية ؟أليست حماية المواطنين وإشباع حاجاتهم الآنية ،هي المهمة الأساسية لكل المتلبسين بالسلطة ؟فأين هم من هموم الناس ؟ولماذا تتراكم التقصيرات في ميادين خدمتهم ؟ولماذا تُنحر الطاقات والعقول العراقية المُبدعة ، بمعادلات المحاصصات المقيتة؟ولماذا تستمر عمليات النهب والسرقة للمال العام دون رادع ؟ولماذا يستحوذ السياسيون المحترفون على كل المكاسب والأمتيازات على حساب من أوصلهم الى كراسيهم ؟إنّ الازمة في الأساس أزمة أخلاقية ،وليست أزمةً سياسية أو أمنية .وها نحن نقرع أجراس الانذار فالربيع العربي يكتسح البلدان والأقطار .

حســـين الصـــدر

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك