صبيح الناصري
عندما تم تشكيل الحكومة الحالية ,احتاج الامر الى مفاوضات شاقة وصعبة ومطولة ودخول اطراف خارجية احيانا على خط تشكيلها ووسط تجاذبات وتشنجات سياسية حادة ,بل ان مشهد اعلان التشكيلة الحكومية كان اشبه بمجلس عزاء وليس مناسبة سارة ومفرحة ,حيث الجميع كانوا عابسين وبائسين ومتشنجين وكان اياد علاوي والمالكي مستعدين للمشاجرة في اية لحظة وهو ما حصل فعلا ,اذ غادر علاوي القاعة احتجاجا على ماحصل من اعتراض للمالكي على موضوع اثاره النجيفي بعد اختياره رئيسا للبرلمان . هذا المشهد الذي تدفع البلاد ثمنه من تعطيل لاقرار القوانين ومناكفات وحساسيات وتصريحات متشنجة ولقاءات لا يحضرها احد تشي بمنظر كئيب ومحزن عن مستقبل مجهول ينتظر البلاد . فعلاوي والمالكي لا يتصرفان بحكمة ولا يعكسان نضوجهم السياسي ,بل هم الان اشبه بمراهقين في مدرسة يغار احدهما من الاخر وبطريقة صبيانية .ذهب المالكي وعلاوي الى اربيل لابرام اتفاق بينهما بعد ان رفضا مبادرة السيد عمار الحكيم بالجلوس الى طاولة الحوار المستديرة ومناقشة اسباب الخلاف بهدوء وتعقل حتى الوصول الى حل مناسب لكل القضايا العالقة او معظمها من دون تشنجات او تصريحات تسقيطية او اتهامية مسبقة تفشل أي جولة للحوار وانتهت جولة الحوار بصعوبة وكانت هناك نقاط اتفاق انفرد المالكي بالموافقة عليها من دون شركائه بالتحالف الوطني ,حيث كان يرغب بالوصول الى منصب رئاسة الوزراء باي ثمن وكان علاوي هو الاخر يرغب في الحصول على منصب يضمن له البقاء في الساحة بعد ان خسر رئاسة الحكومة للمالكي وكان الثمن هو مجلس السياسات الوطنية الذي استحدث من اجل ارضاء علاوي لكي يخطط للعراق سياساته الخارجية وينظم للعراق علاقاته مع محيطه العربي والاقليمي رغم التحفظات على علاقاته المشبوهة مع البريطانيين والسعوديين وقبل المالكي بذلك ولكن بشكل مؤقت.بعد وصول المالكي الى منصة التتويج بعد فوزه بمنصب رئاسة الحكومة انتهى كل شيء بالنسبة اليه حيث تفرغ لمنصبه الجديد تاركا لعلاوي الاحتجاجات والمطالبات وأحيانا التوسل لمنحه المنصب الذي بدا فيه اقرب الى الشحاذ منه الى زعيم كبير .لقد شعر علاوي بانه خدع كما خدع ابو موسى الاشعري من قبل على يد عمرو بن العاص وهاهو يواصل استجداءاته وتوسلاته ويلوح باقالة الحكومة وباستدعاء المالكي للمساءلة . هذه التقاطعات والحرب العلنية التي تنتقل الى الشارع ويسمع بها العالم العربي والخارجي تثير الاستياء والنفور لدى الشارع العراقي الذي يشاهد امامه طبقة سياسية تنعدم الثقة بين إطرافها ولا تعزز خطاباتها ومبادراتها بمواقف سياسية صحيحة تعكس نضجها وسعة افقها .فالسير بالامور الى حافات التصادم والتقتيل هو ديدن السياسيين الفرقاء الذين يطعن احدهم بالاخر . هناك اليوم من يتهم علاوي والمالكي بانهما يديران لعبة لصالحهما تجعل منهما لاعبين أساسيين في الساحة السياسية وان كان احدهما لم يحصل على أي شيء في الوقت الحاضر لكنهما بصراعهم هذا ينقلان رسالة الى القوى والاطراف المعنية بالملف العراقي بانهما وحدهما من يقدران على ادارة العراق بطرق وطموحات فردية فالمالكي يتنصل من وعوده لخصومه وحلفائه بسهولة ويهيمن اليوم على غالبية مؤسسات الدولة والهيئات المستقلة وعلاوي تركه حلفائه السابقين وقاموا بتشكيل تجمعات خاصة بهم وانفض المطلك والهاشمي والنجيفي عنه بعد ان حصلوا على مناصب حكومية ترضيهم وكانت هدفهم بالاساس بعد ان جعلوا التحالف مع علاوي منصة لحصد المناصب والمكاسب .اضف الى ذلك فانهم يشعرون بان بقائهم الى جانب علاوي لا يشعره بالارتياح وربما سيهمشهم لذلك فضلوا الابتعاد عنه بشكل عملي والبقاء معه بشكل اعلامي فقط . كان في العراق في العهد الملكي نماذج لسياسيين كانوا مثالا للأثرة وخدمة المواطن ولم يعرف عنهم حب السلطة والحصول على المكاسب على حساب ابناء البلاد وحاجاتهم فزعيم سياسي على وزن جعفر ابو التمن الذي كان ينفق على حزبه من ماله الخاص من تجارته في الحبوب في الشورجة ولم يعرف انه تلقى مالا من بريطانيا وغيرها وكذلك الزعيم الوطني كامل الجادرجي الذي رفض ولاكثر من مرة تقلده لمنصب رئيس الحكومة وكان السيد محمد الصدر سياسيا نزيها ومثالا للشرف والامانة فاين نحن اليوم من هؤلاء ونحن نجد انفسنا امام سياسيين يقذفون بالبلد واهلها في متاهات الصراعات والضعف والتمزق والتناحر وحشرالبلاد واهلها في زوايا الطائفية والحزبية واجبارهم في النهاية على دفع الثمن وحدهم .
https://telegram.me/buratha